اختيار أعضاء الغرفة الأولى في مجلس الأمة *د.فيصل غرايبة
27-01-2013 04:54 AM
يفرح الشعب الأردني عندما يتم انجاز عملية ديمقراطية متميزة كمثل هذه الانتخابات النيابية التي جرت في أجواء تسودها الحرية والنزاهة والاستقامة، وترجم المواطنون فيها بعضا من آمالهم في صناعة مستقبل بلادهم في إحدى الطرق الضرورية والمتمثلة باختيار نوابهم الناقلين لوجهات نظرهم والمعبرين عن طموحاتهم والناطقين باسمهم من أعلى منصة ديمقراطية شعبية في البلاد، وليمثلوا هذا الشعب النبيل من مختلف الأطياف السياسية والمستويات الثقافية والأنحاء الجغرافية.
ويسعد الشعب أكثر عندما يفرغ الملك من اختيار مجلس الملك الخاص،أعضاء الغرفة الأولى في مجلس الأمة العتيد، والمتمثلة بالمجموعة المختارة من الأعيان، وإذ بها تتميز بمثل ذلك التمايز الذي تمت به عملية اختيار الشعب للهيئة النيابية في مجلس الأمة العريق.إذ أن ذلك - كما يدرك القائد والشعب- هو اختيار لقائمتين أساسيتين لقيام الشورى في البلاد،وركيزتين ثابتتين من ركائز العمل التشريعي في المرحلة القادمة من حياتها.وعن طريق هذين الاختيارين يمكن للأردن أن يطمئن أنه سيدخل المستقبل القريب بثقة أكبر، من أنه أعاد بناء بيته من الداخل وباطمئنان من أن موجودات هذا البيت قد جهزت بكفاءة واقتدار على دخول مرحلة جديدة من موسم الربيع الأردني، الذي اختلفت أجواؤه عن أجواء ما يسمى بالربيع العربي في الأقطار الشقيقة،بتحدياتها وصعوباتها مثلما هي آمالها وطموحاتها.
وليست إعادة بناء البيت الأردني عملية تعتمد على الاسمنت والحديد وغيرها من قوائم العمران،فان مثل هذه القوائم متوفرة وبغزارة حتى أصبحت مما يعافه المواطن، ويضع عليها اللوم فيما لا يسر أمام ناظرينا مثل نزوحنا عن الريف وهجرنا للزراعة واستيرادنا للغذاء حتى من الصين وتشيلي، ولكن إعادة بناء البيت الأردني عملية تحتاج إلى القلوب التي تعاني مع الوطن آلامه والى الأذهان التي تفكر مع المواطن في آماله والى الأجسام التي ترهق من أجل تقديم شيء من أجل تماسك الوطن وقوته .
وليست موجودات البيت الأردني هي عبارة عن قطع أثاث وديكورات وأجهزة تطيب العيش في داخله وتسهل الحياة على ساكنيه مما أصبحنا ننقد أنفسنا به لأنه شكل ملهاة لنا عن حقيقة الحياة والمصير.. وإنما هي مجموعة الكفاءات والقدرات التي تسخر نفسها لتحيل العيش في هذا البلد هانئا على أهله وتجعل سكانه مطمئنين على مستقبلهم فيه .ومن هنا تأتي أهمية الاختيار في شقي مجلس الأمة نوابا وأعيانا، وأنه لحري من طبيعة هذا الاختيار أن نستكنه ما هو الشكل لدى سنبني عليه بيتنا الوطني، وما هي طبيعة العيش الذي سنعيش فيه هذا البيت الذي نعيش فيه.
وعلى هذا الأساس يستقرئ المواطن الأردني رؤية القائد الثاقبة واختياره الحكيم وقراره المتين، في أسماء أعضاء مجلس الأعيان ليستظهر منها أسماء الخبراء والعلماء ذوي الدراسة والحكمة والبصيرة التي تتشوف المستقبل وتعد العدة له بإمكانيات الحاضر واستعدادات المواطن، ولتدلي بمشورتها الواعية وتلقي بأضواء بصيرتها الواعية على مكامن الضعف والوهن ومولد القوة والانبثاق،مثلما تحدد أبعاد الخطر والضرر لتوصف دواء الوقاية من منبع الخطر والعلاج الشافي للضرر .
وأنه وأن كانت تلك المجموعة الوطنية التي يتشكل بها العقد الجديد لمجلس الأعيان بما لديها من ذهنية متوقدة ونظرة بعيدة، من الممكن أن تكون قد أسهمت في تكوين الكثير من الأفكار الناقدة والبناءة في نفس الوقت، وفي بلورة المزيد من الآراء الحاسمة والحكيمة في نفس الوقت أيضا، ولكنها في ذلك الوقت كانت سهلة على أصحابها، وربما ممتعة على سامعها، ولكن المتفرج على المباراة،وخاصة عبر التلفزيون، ليس كمن يمارس اللعب، ويجهد للحصول على الفور بالمباراة وتسجيل الهدف، فهذه مسألة أخرى تحتاج إلى الأعصاب الهادئة والنظرة المتعمقة والتقدير لعواقب الأمور،إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال إيجاد الأعذار والخروج بالتبريرات لبقاء أحوال سيئة على حالها وللإبقاء على أساليب خاطئة كما هي، وإقرار مخالفات صريحة، وكأنها نصائح الأعمال والأفعال ذات شرعية ومنطقية .
وكما يتمنى الشعب الأردني من نوابه أن يكونوا منه ومعه في مسيرته المقبلة، فانه يأمل من أعيانه ذوي الحكمة والخبرة والدراية، وهم أيضا من أبنائه المشهود لهم بالإخلاص والكفاءة، أن يكونوا يدا بيد مع النواب في صناعة التشريعات الملائمة، وفي تناول القضايا الوطنية والقومية، بالرؤية الجديدة التي حتمتها ظروف البلاد والوطن والمنطقة، وبالنظرة المتبصرة التي تقتضيها المواجهة القوية الصريحة الواعية، لمستقبل البلاد والوطن والمنطقة .أن الأردن ليأمل من أعيانه الجدد أن يكونوا بأعين جديدة ترى المستجدات على حقيقتها وتدرك الحقائق على جديتها، فان الذين أدركوا أن "النيابة" تكليف وليست تشريفا فأنهم يدركون بأن "العينية" أيضا تجديد وليست تقليدا.
dfaisal77@hotmail.com