خصخصة البوتاس وانعكاساتها السلبية على العاملين
مالك نصراوين
05-12-2007 02:00 AM
في نهاية عام 2003 ، باعت الحكومة الاردنية ، نصف حصتها من رأسمال شركة البوتاس العربية ، والبالغة 26% من مجموع راس المال ، الى شركة PCS الكندية ، وبقيت الحكومة مالكة لمثل هذه النسبة ، وذلك ضمن سياسة الحكومة في خصخصة القطاعات الاقتصادية المختلفة .لن ندخل هنا في مناقشة ضرورة الخصخصة وتأثيراتها المختلفة على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع ، فهذا المجال من صلب الاختصاصيين في الاقتصاد ، والذين بلا شك لهم دراساتهم وبرامجهم ، ولكني سوف اتطرق الى الاحوال السيئة التي آلت اليها اوضاع العاملين في شركة البوتاس العربية بعد هذا البيع ، وتولي الشركة الكندية ادارة شركة البوتاس .
لقد كانت شركة البوتاس العربية قبل الخصخصة ، احدى اهم الشركات الاردنية التي حققت ارباحا سنوية ، رفدت الخزينة سنويا بعشرات الملايين من الدولارات ، كما كانت احدى دعائم الاستقرار الاجتماعي ، كونها وفرت فرص عمل لاكثر من الفين واربعمئة موظف ، شملت الى جانب الدخل المادي الجيد نسبيا ، توفير التأمين الصحي للموظفين وعائلاتهم .
وفي ظل الادارات العربية قبل الخصخصة ، تمتع العاملون بالاستقرار الوظيفي ، فعلى الرغم من بعض السلبيات المتمثلة في عدم تحقيق العدالة النسبية بالمستوى الذي يرضي جميع العاملين ، الا ان اهم ميزات الادارات العربية هي انها كانت ادارات انسانية ، تنصف من يتعرض للظلم ولو بعد حين ، وبعد التيقن من وجود هذا الظلم ، كما كان باستطاعة أي موظف يحس بالغبن ، ان يقابل أي مسؤول في الادارة العليا للشركة ويعرض حالته ويتم انصافه ، خاصة انها كانت تفتح الابواب لاستقبال الجميع ، وكان رجالات هذه الادارات من صنف رجالات الدولة ، فقد كانوا من الوزراء السابقين ، او ممن تقلدوا مناصب عليا في مختلف المرافق الاقتصادية ، يتفهمون طبيعة الامراض الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا ، وتعشعش فيروساتها في عقول بعض مدراء الادارات الوسطى ، كالشللية والاقليمية والمحسوبية والمزاجية والانتقائية ، وتنعكس سلبا على مرؤوسيهم من العاملين ، فتخلق ممارساتهم هذه ، الشعور بالتمييز والغبن لدى فئة كبيرة من الموظفين ، والذين تغلق في وجوههم ابواب العدالة ، فيضطرون الى طرق ابواب الادارة العليا التي تنصفهم .
فما الذي تغير بعد الخصخصة ؟ لقد كنا نتوقع ان يعم العدل ، وينتفي الظلم ، ويأخذ كل ذي حق حقه ، وان يكون المعيار الاساس هو العمل والاخلاص به ، خاصة اننا نؤمن ان العدالة وحقوق الانسان هي السائدة في دول الغرب ، وكان هذا مبعث تفاؤلنا بالادارة الكندية الجديدة ، لكن ما جرى قد خيب آمالنا، فقد ابقت الادارة الكندية جميع مدراء الادارة الوسطى في مواقعهم ، بدل ان تقوم باعادة البناء على اسس سليمة ، وقامت بمنحهم صلاحيات مطلقة ، وكذلك منحتهم زيادات مالية مجزية لا تقل عن خمسمئة دينار ، دون ان تمنح العاملين الباقين أي ميزة مادية جديدة ، فاصبح مدير الدائرة يتحكم بمصير العاملين لديه بكل مزاجية وانتقائية ، فالادارة العليا لا تقبل أي شكوى بحق هذا المدير مهما فعل ، فقد اغلقت ابوابها في وجه العاملين ، ، وفي نفس الوقت كثر الحديث عن اعادة الهيكلة ، التي تشمل تغييرات على المسميات الوظيفية ، وامتيازات تمنح تبعا لذلك ، ولمدراء الدوائر الدور الاول في تحديدها وتحديد من تشملهم ، فانتعشت لديهم الشللية والاقليمية وكل الممارسات السلبية بدون رادع ، واصبح كل واحد منهم الحاكم المستبد في دائرته ، يعز من يشاء ويذل من يشاء بدون رقيب او حسيب ، فتزعزع الاستقرار الوظيفي للعاملين ، وتهدد مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم ، اللهم الا من وجد الحظوة عند مدير دائرته ، فلم يعد هناك اعتبار للعمل والاجتهاد والاقدمية ، ومن كان عمله قبل الخصخصة ذو تأثير مهم ، قاموا بتقليص دوره وتقزيمه ، حتى يبدو اقل اهمية ، تبريرا للانتقاص من حقه في الهيكلة الوظيفية القادمة .
هذا ما جلبته الخصخصة في شركة البوتاس العربية على العاملين ، وحتى اكون منصفا ، فلا بد ان اذكر الارباح الكبيرة التي تحققت ، فقد ارتفع سعر طن البوتاس في عهد الخصخصة من 120 دولارا للطن الواحد ، الى 360 دولارا في اعلى حالاته ، وتضاعفت ارباح الشركة الى اضعاف ارباحها السابقة ، وهذا بالتاكيد ينعكس ايجابا على الاقتصاد الوطني ، وكم كنا نتمنى ان تنسحب هذه الايجابيات على اوضاع العاملين في الشركة ، استقرارا وظيفيا وتحسنا في الدخل ، بعد ان تآكلت رواتبهم بفعل الغلاء المستعر ، وتأثيرات ارتفاع اسعار النفط ، خاصة ان العاملين في شركة البوتاس العربية ، يشهد لهم بالتفاني والاخلاص في العمل ، وفي التضحية حتى بارواحهم في سبيل استمرار الانتاج وتعزيزه ، والامثلة على هذه التضحيات كثيرة .
انني باسم العاملين في شركة البوتاس العربية ، اوجه نداءا الى حكومتنا الموقرة ، ونواب الشعب الاردني ، كي يضعوا في صلب اهتماماتهم ، اوضاع العاملين في الشركة ، والخطر الذي يتهددهم وعائلاتهم ، من مثل هذه الممارسات السلبية ، التي يقوم بها مدراء الادارة الوسطى ، بعد ان فقدنا صمام الأمان ، المتمثل في الادارة العليا العربية سابقا ، ممن كانوا يحملون الهم الوطني ، ويتحلون بالمستوى اللائق من المسؤولية الوطنية ، فكان اعتصام العاملين في الشركة قبل ايام ، احتجاجا على الانتقائية والمزاجية في منح المسميات ، هو اكبر دليل على صدق ما ذكرته عن نهج الادارة الوسطى ، ونحن على يقين انه لا يمكن لاردني ان يسام حقه في اردن ابا الحسين ، اردن الهاشميين ، الذين وضعوا نصب اعينهم دائما كرامة وحقوق المواطن الاردني ، فالانسان في بلد الهاشميين هو اغلى ما نملك .
الكاتب احد العاملين في شركة البوتاس العربية
m_nasrawin@yahoo.com