"لا تبعثوا للبرلمان جَهولا"
جهاد المنسي
23-01-2013 08:03 AM
اليوم، يوم الاقتراع، لحظة الحسم والحقيقة. وما هي إلا ساعات قليلة بعد إغلاق الصناديق، حتى تبدأ أسماء الفائزين بعضوية مجلس النواب السابع عشر تظهر رويدا رويدا، فتكفهر وجوه، وتبيض أخرى.
اليوم، يوم المواطن؛ فيه يقول كلمته بدون تأثير من أحد، وينتخب من يستشرف فيه نائبا قادرا على تحقيق إصلاحنا المنشود، ويلمس عنده قدرة على الانتقال بنا من مربع المراوحة إلى مربع الانطلاق، كما يلمس لديه رؤية في الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، وقدرة على كشف مواطن الفساد والمحسوبية والواسطة، ووقفها.
تقع علينا، نحن جمهور الناخبين، مسؤولية محاسبة من نعتقد أنه ليس أهلا للنيابة، وإبعاده عن قبة الرقابة والتشريع؛ وإيصال من نرى فيه قدرة وقوة على مقارعة الحجة بالحجة، والقيام بالدور الرقابي والتشريعي بالشكل المطلوب.
لا نريد تكرار تجارب خضناها سابقا؛ إذ ثبت أن الانتخاب وفقا للأصول والعصبية القبلية والجهوية، والفزعة ، لا يفيد، ولا ينتج مجلسا قويا يعيد للسلطة التشريعية بريقها.
من حقنا، نحن الأردنيين، الولوج إلى طريق الإصلاح، واختيار من نعتقد أنه قادر على السير معنا في هذه الطريق الطويلة؛ فنحن في المرحلة المقبلة لا نريد نوابا يمنحون الثقة للحكومات بـ"الكيلو والطبشة" و"ثقة ونص"، وإنما نريد نوابا يحاسبون الحكومات، ويشرّعون لنا ما يؤمّن حياة كريمة وعدالة اجتماعية، ويصلون بنا إلى الأردن الديمقراطي.
لا نريد أن يصل إلى قبة تشريعنا نواب ينتظرون التوجيهات أن تأتي بدون مراعاة مصالح المواطن، ولا نريد تحت قبتنا نوابا بلا رأي، ولا طعم، ولا موقف، لا يتحدثون إلا ما ندر، ولا يشاركون إلا في السفرات، وهمهم الحضور عند التصويت على الثقة بالحكومات لزيادة عدد مانحي الثقة.
لا نريد نوابا يبحثون عن جواز سفر أحمر، أو زيادة رواتب ومعاشات وامتيازات، فـ3500 دينار مكافأة شهرية للنائب كافية وتزيد. ولا نريد نوابا يبحثون عن تقاعد مدى الحياة، أو نوابا يستجوبون الوزير لأنه لم يمرر لهم مشروعا معينا أو مناقصة، أو عطّل تعيين أحد الأقارب.
الشعب يريد نوابا لكل الأردن، يعلمون ما يقولون، ولا يهرفون بما لا يعرفون. نريد نوابا يعرفون الفرق بين قبة التشريع والرقابة وبين المجلس البلدي؛ ونريد نوابا يرون الأردن من عقربا إلى العقبة، ولا يرون الأردن بعين منقوصة، أو حقيبة سفر ومنفعة.
نريد نوابا يعرفون أن الإصلاح إرادة عليا، ويحترمون الرأي الآخر ولا يخوّنون أصحابه؛ نوابا يؤمنون أن هدفنا الوصول إلى دولة تسودها قيم المساواة والعدل؛ دولة تنتمي لمنظومة الدول المتقدمة من حيث احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة، وحرية الفكر والتعبير، والاجتماع، والمساواة، لأننا لا نريد لأردننا الذي نحب ونعشق، أن ينتمي لدول لا تعرف من حقوق الإنسان إلا اسمها، وتعتقد أن البلطجة أبلغ رد على الرأي الآخر، ولا تعرف من الديمقراطية إلا عدد حروفها، وتعتقد أن الديمقراطية تعني تزوير إرادة الشعب.
دعونا نجعل من هذا اليوم يوما للانطلاق نحو الدولة المدنية العصرية التي نريد؛ يوما مختلفا نستشرف فيه أفقا آخر؛ يوما نحترم فيه حق المقاطعين في المقاطعة، وحق المشاركين في المشاركة.
دعونا نجعل هذا اليوم لنبذ كل عناكب المال الأسود، والفساد والمفسدين؛ فهؤلاء الذين يتاجرون بالأصوات فاسدون مفسدون، لا يمكن لهم الدفاع عن المواطن تحت القبة، لأنهم يعتقدون أنهم اشتروا المواطن مسبقا ولا يحق له لاحقا محاسبتهم.
دعونا نكشف هؤلاء ونبعدهم عن قبة مجلسنا، وعن العبث بإصلاحنا؛ بمستقبلنا وعقولنا. دعونا نقول لهؤلاء كما قال سيد الشعراء محمود درويش: "اخرجوا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا من كل شيء، اخرجوا".
دعونا ونحن ذاهبون اليوم إلى صناديق الاقتراع نستذكر ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي للمصريين قبل ما يقرب من 70 عاما: "ناشَدّتكم لا تَعجلوا وتثبتوا.. لا تَبْعَثوا للبرلمان جهولا".
ترى هل تراني أحلم.. فيفعل المال الأسود فعلته فينا، ويقتل حلمنا في الإصلاح؛ في الدولة المدنية العصرية التقدمية، دولة المواطنة وحقوق الإنسان؟! آمل أن يقلب الناخب الطاولة على كل تجار المال الأسود.
الغد