جريمة الرشوة الانتخابية وتاثيراتها
المحامي مازن الفاعوري
22-01-2013 08:45 PM
لقد شاع عن بعض المرشحين خلال الانتخابات لجوئهم لاستغلال حاجة بعض المواطنين بدفع الاموال لهم كرشوة للناخبين بقصد شراء أصواتهم، وأخذ العهد أو تحليف الأيمان وهو من الافساد للذمم ، فلا يجوز لنزاهة الانتخابات اعطاء المال واخذه من قبل المرشحين والناخبين ، ولا يجوز إعطاء الصوت لهذا المرشح الفاسد، لأنه لا يستحق أن يكون مرشحاً للوطن ، فهذا الفعل محرم شرعاً، ومجرم قانونا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" متفق عليه، واليمين الصبر هي اليمين التي يجبر حالفها عليها.
إن سيطرة المال على مقدرات العملية الانتخابية وعلى كافة أطرافها هي آفة بالغة الخطورة والجسامة على سلامة التمثيل النيابي للأمة ، وعلى مصداقية تعبير أفرادها عن إرادتهم.
فلم يعد المال أمراً حيوياً لإدارة المعارك أو الحملات الانتخابية من جانب تمويل نفقاتها وإنما أضحى سلاحاً خطيراً للتأثير على إرادة الناخبين وتوجيههم نحو تأييد حزب بعينه أو مرشح أو قائمة بعينها سواء استخدم هذا السلاح من قبل المرشح ذاته أو من قبل أنصاره أو الحزب الذي ينتمي إليه لا فرق.
ولم يعد الأمر يقتصر على التأثير على إرادة الناخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك لتكون إرادة المرشح ذاته فريسة لتلك الآفة بحيث يدين المرشح بالولاء لمن يدفع أكثر ، وبذلك تتجلى سيطرة جماعات الضغط التي تمتلك النفوذ والمال على مجريات العملية الانتخابية وبالتالي على الحياة النيابية بأثرها ومن ثم تتضاءل الفرص أو تنعدم أمام ذوي المثل والمبادئ المحققة للصالح العام المجردين من سطوة المال أو النفوذ لمنافسه تلك القوة الغاشمة لرأس المال وسيطرته على نتائج الانتخابات والوصول إلى مقاعد العضوية في المجلس النيابي أو لمجابهة تحديات مراكز السلطة وعناصرها المتحكمة في تسيير دفة العملية الانتخابية وقراراتها حيث أن سلطان المال وسيطرته أصبح هو الطريق المضمون لمن لا يحظى بأصوات الناخبين إلى مقعد البرلمان ابتداء بالحصول على ثقة الحزب لترشيحه ومساندته وانتهاءً بشراء أصوات الناخبين.
من أجل ذلك عنت التشريعات الانتخابية الحديثة بتجريم فعل الرشوة الانتخابية لتلافي المخاطر المحدقة بنزاهة نتائج العملية الانتخابية ولتقويض سطوة المال على مقدرات المعارك الانتخابية.
الفعل أو الأفعال التي تندرج في مفهوم الرشوة الانتخابية قد تكون سابقة على التصويت وهذا هو الفرض الغالب ويمكن أن تكون لاحقة عليه كذلك ويبين ذلك من خلال تجريم الشارع الوعد بتقديم الفائدة. أما الرشوة أو المكافئة اللاحقة وعلى عكس حالها في نطاق الرشوة الوظيفية فإنها تخرج من نطاق التجريم في الرشوة الانتخابية.
من المتصور أن يكون الجاني في الرشوة الانتخابية هو المرشح ذاته أو أحد من الغير و قد يكون مرتكب الرشوة واحداً من أنصار المرشح الذي يجتهد لصالح فوز المرشح الذي يناصره فيعمد إلى إرشاء الناخبين للتصويت لصالح من يناصر، كما أنه من المتصور وعلى النقيض أن يكون الراشي أحد أعداء المرشح والذي يجتهد إلى عدم فوز هذا المرشح فيقوم بإرشاء الناخبين ليعزفوا عن انتخابه وفي صورة ثالثة قد يكون هناك وسيطاً بين المرشح والناخب حيث يعمد المرشح إلى استعمال وسيطاً لتوصيل الفائدة للناخب لحملة على التصويت لصالحه .
لا ريب أن انتفاء علم المرشح بسلوك هذا الوسيط يجعل القصد الجنائي منتفياً لديه بدوره ومن ثم ينفرد الوسيط بالتجريم والعقاب أما إذا كانت الفائدة قدمت من المرشح للوسيط لتوصيلها للناخب أو كان تقديم الفائدة بإيعاز من المرشح فلا ريب أن كلاهما (أي المرشح والوسيط) يكون فاعلاً أصلياً في جريمة الرشوة .
وإذا كان المرشح والوسيط مخاطبين بالتجريم حال مقارفتهما السلوك المؤثم فإن الناخب بدوره مخاطب بالتجريم إذا ما استجاب لعرض المرشح أو طلب منه فائدة لنفسه أو لغيره.
ولا يقدح في اكتمال جريمة الناخب المرتشي تصويته لمرشح آخر غير الذي رشاه فالعبرة في تحقيق الجريمة هي بقبول عرض الرشوة أو أخذها أو طلبها وذلك حسبما سيرد تفصيلاً بمعرض حديثنا عن غرض الرشوة.
تجريم الرشوة الانتخابية في قانون الانتخاب الاردني رقم (25) لسنة 2012م :
فقد نصت المادة (25): - يحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بالوساطة كما يحظر على أي شخص أن يطلب لنفسه او لغيرهأيهدايا أو تبرعات أو مساعدات أو الوعدبها من أي مرشح .
ونصت المادة (63): يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات كل من :-
أ- أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو اقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع.
ب- قبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغا من المال أو قرضا أو منفعة أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع.
فجريمة الرشوة الانتخابية مثل جريمة الرشوة الوظيفية يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي ولكن هل يكفي لقيامها تحقق القصد الجنائي العام أم أنه لابد تحقق قصد جنائي خاص؟
إن القصد العام بداءة هو توجه إرادة الجاني صوب ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل يعلم أن القانون يعده جريمة جنائية ويرصد له عقاباً جنائيا، أما القصد الخاص فيشترط فيه فضلاً عن توافر القصد العام ثبوت النية نحو تحقيق هدف معين يحدده القانون .
وبناء عليه فإنه يكفي لوقوع جريمة الرشوة الانتخابية توافر القصد العام من علم وإرادة ولا يلزم توافر قصد جنائي من نوع خاص تتجه فيه إرادة الناخب المرتشي إلى تحقيق نتيجة معينة ذلك لأن الرشوة من جرائم الخطر أي أنها من جرائم النشاط ومعنى هذا أنه يكفي أن يطلب الناخب فائدة مقابل القيام بالتصويت أو الامتناع عن التصويت لمصلحة مرشح معين، أو أن يقوم شخص ما مرشحاً كان أو وكيلاً عنه بإعطاء أو بعرض أو بالتعهد بإعطاء ناخب فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت ومن ثم فلا يلزم لوقوع تلك الجريمة تحقق نتيجة معينة.
ومرتكب جرم الرشوة كل من أعطى أو عرض أو تعهد بأن يعطي ناخبا فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو على الامتناع عن التصويت مجرم حسب القانون وكذلك كل من قبل أو طلب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيره مجرم حسب قانون الانتخاب .
والنتيجة التي تترتب على اللجوء لرشوة الناخبين، هي انعدام فرص التنافس وتكافئها، ووصول المرشحين إلى مقاعد المجلس بفضل محتويات جيوبهم ومحافظهم، وليس بما تنطوي عليه عقولهم من أفكار وتصورات تتصل بالخدمة العامة وقصص التي يتم تداولها حول اساليب وطرق شراء الذمم تقدم لنا الدليل الدامغ على مرتكبي هذه الجرائم.
ويحظر القانون على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو اعتباري سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بالوساطة كما يحظر على أي شخص أن يطلب لنفسه او لغيره أي هدايا أو تبرعات أو مساعدات أو الوعد بها من أي مرشح.
وانتشار هذه الجريمة في مواسم الانتخابات ظاهرة خطيرة تهدد بنيان الدولة الاردنية بأدخال مفاهيم سلبية للحياة الديمقراطية ، ولقيم المجتمع الاردني الفاضلة فاننا نطالب الحكومة باتخاذ إجراءات رادعة لمتابعة ومحاسبة المتورطين واحالتهم للقضاء ولن يصعب على أجهزة الحكومة أبدا ضبط المتورطين فيها بالجرم المشهود،أن تحذيرات اذا لم يتبعها اجراءات عملية تطبيقية على ارض الواقع لن تجدي نفعا ، فشراء الأصوات فسادا يمارسه المشتري والبائع على حد سواء، ويجب تبليغ الجهات المعنية عن ممارسي تلك الظاهرة السلبية، لأثرها الخطير على نتائج الانتخابات القادمة واعطاء الصورة القاتمة عن الاردن وتجربته الديمقراطية في الخارج.