"خيّو الحكومة ما ودها إصلاح"، بهذه البساطة يختصر أردنيون حال حكومتهم، وإذا ذُكر لهم مثول شخصيات أمام القضاء على خلفية شراء أصوات ناخبين، فتحوا أيديهم على وسعها، وألحقوها بصوت خفيض من أفواههم، أخجل من توضيحه أكثر، في استنكار شديد لما وصلوا إليه من بؤس وإفقار.
حالة الإحباط التي تسيطر على الشارع الأردني، يمكن فهمها مستقبلاً، شريطة أن يحسن المشاهد قراءة واقع الحال في مقار المرشحين، والتجسس على من يجلسون في أقصى الخيمة، والوقوف على أسباب انزوائهم، بغير اكتراث لما يجري من حديث عن مجالسهم النيابية، بل أن ما يشدهم، هو الحديث عن فرصة مرشحهم في خطف الكرسي من الجميع؛ اعتماداً على بطاقات انتزعت من أصحابها مقابل وعود بزيارة بيت الله الحرام.
في غمرة حديث المتحمسين عن الفرص المتاحة لمرشحهم، يدخل شاب متأبطاً سدر المنسف، بكامل قيافته البقدونسية، وينسل خلفه رهط من الشباب، كل منهم يحتضن سدره، فبُهت الحديث السياسي، وسادت لحظة أنست المتحمسين حماسهم وتركوا إشارات حمراء وضعوها بعناية بجانب أسماء، فلم يعودوا عارفين من باع ومن في طريقه إلى البيع.
"صمت" سرعان ما بدده ضجيج "الشريبة"، وراح الجميع "يفتون" من كتف المال السياسي، فيما يلف الشاب عمامته على رأسه، وفي يده وعاء "التشريب" صائحاً "مين بده شراب يا إخوان".
الإخوان نفضوا أيديهم من السدر، بعد أن مسحوا شواربهم، من بقايا "الزّفر"، وراحوا يتحدثون عن نية أحد المرشحين ابتعاث مجموعة من المواطنين للعمرة، في سياقات إيمانية ليس الهدف منها إلا الغنيمة بأصوات المؤمنين من الفقراء.
اللعب على وتر الإيمان، وتوزيع "صكوك الغفران"، ذات مردود يغري الغريق في اختلاق أسباب مشابهة قد لا تقف عند بناء مسجد أو كنيسة، وفق مقربين من دوائر صنع الخطط والقرار في خيم المرشحين، الذين يختصرون فكرة وبرنامج مرشحهم، بالقول: هذا رجّال "مدكّن"، في غمز لمن ينتوي البيع.
صحيح أن شراء الأصوات، وسياسة الأعطيات تغريان من ينخرهم الجوع وتطويهم الحاجة، في ظل غياب التشريعات السياسية الكافية لتشجيع الناس على ممارسة حقهم الدستوري، إضافة إلى عدم وجود شخصيات وازنة سياسيا واجتماعيا في قرانا وريفنا ومخيماتنا المدججة بالفاقة والعوز.
لكن آخرين يقولون، كثير من أصحاب الصور العريضة والمعلقة على دواويرنا لن يختلفوا عن سابقيهم الذين غادروا المجلس وفي رقبتهم جريمة إبراء الفاسدين.
"رحلة مكة" هذه المرة، سينعم بها "البائعون" وسيلوذون في أحد الصباحات المترعة بالإيمان إلى ركن قصي يناجون ربهم أن اغفر لنا. (العرب اليوم)