يتراجع منسوب "الخشية الرسمية" من انطلاق مسيرات ضخمة في اليوم التالي للانتخابات، تطالب بحل المجلس الجديد، وبقاء الناس في الشارع بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. والسبب في ذلك يتبدّى في الفشل الذريع لمسيرة "الشرعية" التي دعت إليها الجماعة يوم الجمعة الماضي، ومحدودية الحضور، حتى من أفراد وأنصار الجماعة.
الفشل لم يقتصر على محدودية الحضور وغياب الإسناد الشعبي، بل طاول هشاشة الخطاب السياسي واجتراره وتكراره للنقد ذاته، وغياب الأفق الحقيقي في جدوى المقاطعة وقدرة الجماعة على اجتراح استراتيجيات لتحقيق مطالبها من خارج اللعبة السياسية. هذا المناخ أصاب الفعالية الإخوانية بالضعف، وانعكس على الروح المعنوية لأبنائها وللحراكات التي شاركت الجماعة في الموقف من الانتخابات.
ما زاد الطين بِلّة، التركيز الإعلامي على خطبة الجمعة للمراقب العام للجماعة همام سعيد، والتي تحدّث فيها عن الدولة الإسلامية وتعاملها مع الأقليات وحقوق الإنسان، مما أثار تساؤلات لدى النخب والتيارات الأخرى عن أهداف الجماعة وموقفها الحقيقي من الدولة المدنية التعددية، ومن الديمقراطية، في ظل النقاشات العربية الساخنة حول هذه القضايا الحيوية!
هذه وتلك تفرض على الجماعة مراجعات حقيقية نقدية قاسية لخياراتها ومسارها وخطابها وأدواتها، مع ما نراه أيضاً من عودة الخلاف الداخلي إلى التفاقم والتراشق الداخلي والإعلامي حول مبادرة زمزم، التي بالرغم من تأكيد مهندسيها على أنّها ليست مقدمة للانشقاق عن الجماعة، إلاّ أنّها تعكس تنامي الأزمة والاختلاف بين هذه المجموعة والقيادة الحالية، وتحديداً مهندس المسار الحالي زكي بني ارشيد.
المراجعة التي نتحدث عنها تتجاوز تشكيل لجان تحقيق مع الكوادر لضعف الحشد، إلى حلقات داخلية تقوم بعملية نقد ذاتي عميقة على أكثر من صعيد؛ استراتيجي وفكري وحركي، وتراجع مختلف الملفات.
ورغم أنّ مراكز القرار الأخرى لم تستطع إخفاء فرحتها بفشل الفعالية الإخوانية، إلاّ أنّ القلق ما يزال يسيطر على المسؤولين، وتحديداً فيما يتعلّق بنسبة الاقتراع والتصويت، في وقت تشير فيه استطلاعات رأي داخلية إلى أنّ النسبة مطمئنة، وتتراوح ما بين 55-60 %.
إذا افترضنا أنّ الهيئة المستقلة للانتخاب نجحت في العبور بالانتخابات في اختبار النزاهة والشفافية، وحظيت باعتراف عام بذلك، بالتوازي مع نسبة اقتراع وتصويت مقبولة موازية للمعدل العام، فإنّ السؤال الكبير سيتمثّل في المشهد الوطني لليوم التالي للانتخابات النيابية؛ فيما إذا كان مجلس النواب الجديد سيتمكن من إقناع الأردنيين بأنّه مختلف عمّا سبق، أو أن يكرّس منذ البداية القناعة لدى المعارضة وشريحة واسعة بأنّه تكرار للعبة القديمة ذاتها!
هذه المرّة، سيرسم المجلس الجديد صورته بنفسه؛ فإمّا أن يستطيع منذ البداية انتشال سمعة هذه المؤسسة العريقة، ويحدث فرقاً في الأداء والخطاب، وإمّا أن يغرق ويعيد الحيوية والحياة للمعارضة التي تراهن على فشل المجلس في إحداث نقطة التحول المطلوبة.
الاختبارات الرئيسة أمام المجلس الجديد ستكون كبيرة ومتنوعة؛ سواء على صعيد دوره في تسمية رئيس الوزراء الجديد، والوزراء، ومقعد المعارضة الشاغر لغياب الإسلاميين المعارضين.. فكل هذا وذاك سيشكّل الانطباعات الشعبية الأولية.
الفخ الكبير سيتمثّل في موضوع رفع أسعار الكهرباء، وما سينجم عنه من احتجاجات شعبية، بخاصة أنّ التقارير تفيد بإعلان قوائم رئيسة رفضها لهذا القرار، في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومات بالاتفاقية مع صندوق النقد الدولي؛ فكيف يمكن تمرير هذه "المعادلة" الحساسة والحيوية بدون أن يكسر المجلس عصاته من أول غزواته؟!
القدرة (الآن) على حسم التوقعات ضعيفة، والعوامل التي تتداخل في رسم المشهد متنوعة ومتعددة، بانتظار نتائج الانتخابات التي تكشف أكثر عن صورة اليوم التالي.
الغد