في غضون 24 ساعة ارتفعت صدقية العملية الانتخابية بصورة مؤثرة؛ لقد حدث ما لا يُصدّق: حزمت الدولة أمرها وأرسلت العديد من مرشحي المال السياسي إلى سجن الجويدة. إجراءٌ رد الاعتبار ـ ولو جزئيا ـ لكرامة الأردنيين، ووضع العابثين بالانتخابات في موقع الإدانة من قبل الرأي العام الذي استقبل اعتقالات المشتبه بهم في عمليات شراء الأصوات واحتجاز البطاقات الانتخابية، بالكثير من البهجة.
الاعتقالات الرائعة ( شهية الأردنيين انفتحت على المزيد منها) تجيء في ظل آليات انتخابية صارمة، بإشراف "الهيئة المستقلة للانتخاب"، المستجدة ولكن المستقلة والمهنية. باختصار، نحن أمام انتخابات ذات صدقية. وأظن أن سياسيين ومثقفين عديدين يشعرون اليوم بالندم على عدم المشاركة فيها، خصوصا أن صلاحيات اختيار رئيس الوزراء وهيئة الوزارة قد انتقلت إلى البرلمان. وأنا أتحدث عن أوساط وطنية وشعبية، لا عن الإخوان المسلمين. هؤلاء قاطعوا العملية الانتخابية ابتداء من التسجيل الذي نجح، مع ذلك، بنسبة حوالي70 بالمئة ( مليونان وربع المليون مقترع من أصل ثلاثة ملايين وربع المليون). الاحتجاج الإخواني تركّز على قانون الانتخابات . وهو يقوم على نظام مختلط بين الدوائر المحلية الفردية ( 108 مقاعد) والقوائم الوطنية (27 مقعدا ) والكوتا النسائية (15 مقعدا). ولا يسمح هذا النظام لأي حزب بتجيير ومضاعفة قوته التصويتية والحصول على أغلبية برلمانية، كما أنه يحافظ على التكوين الوطني للبرلمان.
من المؤسف، بالطبع، أن الانتخابات الحالية، شهدت كثافة في الشعارات التي تعكس تيارات التوطين السياسي، بما في ذلك المطالبة بما يُعرَف بـ "حقوق المواطنة المنقوصة" والمحاصصة السياسية، و بالمزيد من التجنيس وتجنيس أزواج وأبناء الأردنيات ( حوالي 400 ألف). ومن المنتظر أن ترتفع نسبة تمثيل الأردنيين ـ الفلسطينيين في البرلمان المقبل عن البرلمانات السابقة، بصورة ملموسة، ولكن من دون إخلال نوعي بالمعادلة البرلمانية.
النقطة السلبية الثانية في العملية الانتخابية تتمثل في التفاوت الهائل بين القدرات المالية للمرشحين. وهو ما طبع الحملات الانتخابية وقدرتها على التأثير؛ فبينما أنفق المتنفذون ورجال الأعمال، ملايين الدنانير على الدعاية والمقار والاستقبالات الخ، لم تتمكن القوائم الديموقراطية والنشطاء الشعبيون من جمع الأموال اللازمة للقيام بحملات مؤثرة.
ينتمي أغلب المرشحين إلى الأوساط العشائرية والتقليدية، كما إلى دوائر المال والأعمال، بينما تشارك الحركة الوطنية والتقدمية بمرشحين فرديين معدودين وبخمس قوائم هي: "النهوض الديموقراطي" و"الشعب" و" التغيير" و" البناء" و" أبناء الحراثين". وتمثل هذه القوائم ألوان الطيف اليساري والقومي والوطني الاجتماعي والحراك الشعبي. وكانت محاولات حثيثة قد بذلت لتوحيد هذه القوائم، ولكن من دون جدوى. وهو ما سينعكس على نتائجها سلبيا. ومع ذلك، فمن المنتظر أن يضم البرلمان الأردني المقبل، بين 20 إلى 25 نائبا يمثلون المعارضة الوطنية، بينما يرجّح أن تميل الأكثرية البرلمانية إلى مواقف مستقلة أو حتى معارضة في ملفات أساسية مثل محاكمة الفساد ومراجعة الخصخصة وتنمية المحافظات والقضايا الاقتصادية الاجتماعية والخدمات العامة.
وبالمجمل، فإن اللوحة الانتخابية السابقة، ككل، تجعل من مشاركة الإخوان المسلمين من عدمها، ليست ذات تأثير حاسم على العملية السياسية في البلاد. وربما تكون المقاطعة الإخوانية للانتخابات، قد عجّلت أو سهّلت قيام الملك عبدالله الثاني بتقديم تنازلات جوهرية عن صلاحياته الدستورية المتمثلة في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة؛ فبموجب إعلان ملكي حول مرحلة الحكومات البرلمانية، سوف يتم اختيار رئيس الوزراء، من الآن وصاعدا، من خلال المشاورات النيابية، ويكلف الفائز بتسمية أكثرية النواب بتشكيل حكومة تمثل ائتلافا بين الكتل البرلمانية. ويعد هذا الإعلان، التطور الأبرز في الإصلاحات السياسية التي شهدتها البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي في 2011. لكن يواجه البرلمان المقبل مهمة تحويل هذا الإعلان إلى تعديلات دستورية دائمة.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم