رهان الورقة النقاشية الثانية : حتى تنضج التجربة ؟؟
د.بكر خازر المجالي
20-01-2013 04:52 AM
" حتى تنضج التجربة وتتجذر الحياة الحزبية " هذه عبارة تضمنتها الورقة النقاشية الثانية لجلالة الملك المعظم ، وهذا الرهان الواضح والسؤال الذي يفرض نفسه الان فيما اذا نجحت التجربة الديمقراطية ؟ وهل تجذرت الحياة الحزبية ؟؟
ولا ينفصل السؤالان عن المسؤلية العامة عن التأخر في انضاج الحياة الحزبية ،والنجاح في اعادة الثقة بين المواطن والمسؤل بتحقيق النجاح والانتصار ومحو اثار العدوان على التجارب الديمقراطية السابقة حين افشى المؤتمنون على اسرار الدولة - ايا كانت هذه الاسرار - وتباروا في افتراس الديمقراطية وترك الشعب لا يثق بالقادم ، وان كل ما يجري من تشكيل المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب وتعديلات قانون الانتخاب انما هي محاولات لمحو اثار عدوانهم وترميم جدار الثقة الذي لا زال هشا نوعا ما .
وتأتي الورقة النقاشية الاولى ،ومن ثم الثانية في اطار الشرح والتوضيح والتأكيد على العزم بالسير بالديمقراطية في طريق الصواب . وفي الورقة الثانية كان الخطاب مباشرا ويدعو الى التفاعل مع قانون الانتخاب والانتخابات لنجيب على التساؤل : هل وصلنا الى مرحلة تجذير الديمقراطية وبالتالي وصلنا الى الحالة الحزبية التي يمكنها ان تكون فعلا واجهة الحكم والسلطة التنفيذية مستقبلا ، وبالتالي يمكن للحزبية ان تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية معا في حالة نصل فيها الى تطبيق مفاهيم الحكم الديمقراطي والملكية الدستورية الناظمة للحياة والتي يضبط الملك فيها ايقاع المسؤليات العامة وفقا للدستور والقانون .
رسمت الورقة الثانية معادلتين للحكم الأولى ذات اطراف اربعة هم : الحكومة والبرلمان والجهاز الحكومي والمعارضة . أما المعادلة الثانية فاطرافها ثلاثة هي الاحزاب الوطنية والجهاز الحكومي والاعراف البرلمانية .
فمسار المعادلة الاولى هو محكوم بعلاقة واضحة بين الحكومة والبرلمان على اساس الرقابة والتشريع ،، ولا يمكن لهذه العلاقة ان تنجح بدون تعامل البرلمان مع جهاز حكومي كفؤ وقادر على اداء دوره دون اعتبار للوزير الذي سيصبح منصبه سياسيا بحكم تشكيل الحكومات البرلمانية التي لا تكنوقراط فيها، ومن جهة ثالثة فان الجهاز الحكومي سيواجه معارضة تراقبه كحكومة ظل وتواصل نقده وتفترض حلولا وتصورات لتبيان قصور الجهاز الحكومي في حال العجز عن تحقيق البرامج المفترضة للحكومة البرلمانية .
اما المعادلة الثانية والتي هي عل شكل متطلبات فهي محكومة بقدرات وتأهيل اطرافها لممارسة المسؤليات الوطنية ، فهل لدينا احزاب وطنية قادرة على العمل وفق برامج وطنية ؟ وهل لدينا جهاز حكومي مؤهل لا اقصاء ولا اغتيال للشخصيات فيه ولا فساد ولا واسطة ومحسوبية ،؟؟ وايضا فان هذه العملية محكومة ايضا بقوة البرلمان من خلال ارساء اعراف تضبط عمله وتحدد علاقة النائب مع المجلس التي لا استقواء ولا دلال فيها ،وان تتغير الاعراف وكذلك تغيير النظام الداخلي الذي يحتاج الى تعديل لتضييق الخناق على من يتعمدوا افقاد النصاب للجلسات او يتطاولون على بعضهم في مشهد معيب ، وان يكون هناك نظام صارم لهذه القضايا .
في ضوء هذه المعطيات لا بد ان نسأل بمنتهى الشفافية : الى مدى نقترب نحن من تطبيق مضمون الورقة الثانية ؟ وهل تتوفر لدينا الحزبية المناسبة وهل تجذرت الديمقراطية فينا ؟ وهل تجاوزنا مرحلة التفكير الخدمي المصلحي الى الرؤية التشريعية والحالة الوطنية الشاملة، ؟ هل انتقلت الشعارات من تقديم اسم القرية والبلدة والعشيرة الى تقديم اسم الوطن الاردني اولا ؟ هل نرى ان القوائم الوطنية هي حالة تبشر بالاحزاب التي قد تحمل لنا برامج وطنية كاملة وانها هي من ستتولى تشكيل الحكومات ؟ كيف سنرى برلمانا حزبيا يكون اكثر من 60% منه افرادا بصفة مستقلين ؟ هل سنصل الى مرحلة نرى البرلمان فيها يقرر موازنة الدولة في جلستين فقط ،ويقرر الثقة في الحكومة في جلستين ايضا بأن نرى الكتل والاحزاب البرلمانية هي التي تتحدث وليس الافراد؟؟
نعم دعوة ملكية لتجذير التجربة الديمقراطية ،وان نستعد لحياة سياسية حزبية جديدة تشاركية ، ولكن هنا شرط واضح ،هو انه لا يمكن تحقيق ما نريد بالقفز بسرعة على خطوات الاصلاح.. ونؤكد دائما اننا قطعنا شوطا في الاصلاح السياسي وبنجاح تام وفق مؤسسية الدولة وتهيئة كل اساسيات ومتطلبات الاصلاح ، والقطار جاهز بالتمام والكمال ليقلنا الى وجهة الحزبية والحكومة البرلمانية ، ولكن هل نحن جاهزون ؟ هذا يحتاج الى جواب ورد بعض منه في الورقة من حيث الوصول الى احزاب سياسية ذات قواعد شعبية تستقطب غالبية المواطنين ، وان نصل الى مرحلة التفاهمات بين الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة البرلمانية .
ولا نعرف هل سيكون مجلس النواب السابع عشر جاهز لهذه المرحلة ، وهل ستبقى الكتل النيابية مجتمعة داخل المجلس أو تتشكل كتل جديدة مع خبرتنا المعرفية بهلامية وأميبية الكتل البرلمانية السابقة .
الورقة الثانية فيها رسائل خطيرة وتحديات لا يمكن ان نتراجع عن مسؤليتنا جميعا في تطبيقها ، والا فان العواقب ستكون في صالح المتربصين الذين يراهنون على كل التوجهات القادمة ،وان الحزبية في الاردن لاتقوم الا بهم وتبدأ وتنتهي بهم .
لسنا هما في حالة تسمح بالتنظير ، ولكن ما نلمسه اننا امام تحديات لاطراف العملية الديمقراطية الطبيعية في العملية الانتخابية وهي الموافق والمعارض ، وان على المعارضة المسبقة وبما انها اختارت رفض الانتخاب والترشيح ان تقبل ان تكون حكومة الظل وتمارس الرقابة على من لا تقبله وتواصل المتابعة لاثبات نظرياتها وتوجهاتها واقناع الاخر بانها لم تشارك لهذه الاسباب ، اما ان تختار المعارضة لذات المعارضة فقط فهذا يمكن ان لا يصمد ابدا في حالة تجذير مفهوم الديمقراطية ويعني توالي خسائرها.
هذا ما نحن عليه حتى اليوم ، ونجاح التجربة محكوم بنتائجها وما سيطل به علينا مجلس النواب السابع عشر ..ونأمل ان يضطلع المجلس القادم بهذه المسؤولية الوطنية الجامعة ، والا فسنسأل انفسنا وماذا بعد ؟ ويكون للحديث اكثر من بقية ؟؟؟