أربعة اسباب ممكنة وراء تراجع الحراك
باتر محمد وردم
20-01-2013 03:51 AM
حفلت ردود أفعال الكثير من المشاركين والداعمين لتظاهرة ما يسمى “الشرعية الشعبية” أول أمس بمشاعر الإحباط بسبب قلة عدد الحضور بالرغم من التنظيمات اللوجستية العالية والفرمانات التي تم توزيعها بين كوادر الأخوان المسلمين بوجوب الطاعة وحضور التظاهرة. فعاليات الحراكات المختلفة والتي ووصل عددها إلى 55 حسب ملصقات المسيرة ايضا عكست ضعفا في المشاركة كان محرجا لها. التساؤلات التي انتشرت في اليومين الماضيين بين نشطاء الحراك والداعمين لهم كانت تتعلق بكيفية إقناع الرأي العام ومخاطبته بالطرق المؤثرة. بعض الملاحظات تضمنت مواقف استعلائية وصفت الشعب الأردني بأنه مخدر أو غير واع بسبب عدم دعمه للحراك.
الشعب الأردني واع تماما لما هو حوله ولكنه، حتى في حال عدم ثقته بالحكومات فهو ايضا لم يظهر ثقة بالمعارضة أو بالحراك لأسباب عديدة ربما حان الوقت لأن يفكر بها الحراك بطريقة هادئة ومنطقية بعيدا عن التشنج والاستعلائية. ويمكن الحديث عن اربعة اسباب رئيسية لتراجع الحراك في الاشهر الماضية.
1- لم يقدم الحراك والمعارضة خطابا منظما وواضحا للرأي العام. منذ سنتين تستمر المسيرات اسبوعيا وهي مليئة بالشعارات ولكن بدون خطط وبرامج بديلة ولا حتى مشاريع واضحة في الإصلاح السياسي. عدم وجود سمة الوضوح والمنطق والبدائل في خطاب الحراك وتشتت الجهات المختلفة وعدم اتفاقها حتى على مبادئ مشتركة للعمل ساهم في ابتعاد الراي العام عنها وعدم ثقته بالقائمين عليها ولا حتى بخطابهم. في نفس السياق ايضا يلاحظ الراي العام اختلافا ما بين الشعار والممارسة لدى المعارضة، فهل يمكن لحزب سياسي مثل الأخوان المسلمين لا يستطيع تحمل مبادرة إصلاحية من صميم مكوناته مثل “مبادرة زمزم” أن يتحمل الراي الآخر لو وصل إلى الحكومة؟
2- في الرأي العام الأردني هنالك نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى والمثقفين غير راضية عن اسلوب الإدارة العامة والحكومات والنواب وهي تعرف بأن التغيير والإصلاح مهمان جدا ولكنها لن تقبل بأن ينجر البلد نحو المجهول خلف مجموعة من الشبان المندفعين بشعارات ساخنة وعالية السقف بدون ادنى تخطيط للمراحل القادمة، وهكذا فإن غياب القيادات السياسية في المعارضة والحراك والتي يمكن أن تحظى بثقة الراي العام اضر بهم كثيرا. الاحتجاج الغاضب يختلف تماما عن العمل السياسي المنظم، ولا يمكن لتجمع من الغاضبين ان ينجح في التغيير الايجابي.
3- النظام الأردني استمد شرعيته منذ فترة طويلة ولم يأت على ظهر دبابة أو استولى على السلطة بل شارك الأردنيين في بناء البلد ومؤسساته، ومجرد ظهور شعارات غوغائية حول إسقاط النظام في مراحل معينة كان كفيلا بإسقاط الثقة بالحراك لدى غالبية الأردنيين. يقدم النظام بتاريخه المتسامح والمؤسسات التي أنشأها والخط السياسي الذي انتهجه نموذجا مقنعا للغالبية الساحقة من الأردنيين الذين لن يغامروا ابدا بتغييره وحتى في حال العمل على “إصلاحه” فهذا سيتم تدريجيا وفي سياق ظهور مؤسسات حزبية تحظى بثقة الراي العام في تحول مدروس نحو الملكية الدستورية.
4- انتهت رومانسية الربيع العربي منذ فترة طويلة. مشاهد الشبان والمواطنين الذين يسقطون الأنظمة ويحالموا بمستقبل باهر اختفت لتحل مكانها تجارب اقتصادية وسياسية مريرة في تونس ومصر وحرب طاحنة في سوريا وفراغ سياسي في ليبيا وجمود تام في اليمن وخوف كامن في البحرين وكل هذه الدروس جاءت بثمن باهظ على من عانى منها وهي متاحة مجانا أمامنا لنستفيد منها. من السهل الهدم ومن الصعب جدا البناء.
يبقى الحراك الشعبي ظاهرة ايجابية في المجمل في رفع منسوب الوعي والثقافة السياسية والمشاركة الشعبية وتحريك المياه الآسنة في السياسة الأردنية، ولكنه بحاجة الآن إلى وقفة مراجعة صادقة مع النفس لمعرفة الأخطاء التي ظهرت في تنظيمه وفي خطابه من أجل أن يحقق قدرته الكامنة في الإصلاح السياسي في البلاد، وهذا يتطلب الكثير من الجرأة والمصداقية والمرونة في انتقاد الذات.
batirw@yahoo.com
الدستور