المنطق غالب بذاته من غير جَهد، هذا ما امتازت به الأوراق النقاشية الملكية، ونحن نقول هل من مزيد.
إن حال الورقة النقاشية الثانية لجلالة الملك عبد الله الثاني هذه، هو كحال سابقتها من حيث: الوضوح في الرؤيا، والخَيارات القابلة للحوار والقبول المباشر أو التعديل المبرر، أو حتى طرح البديل، فمليكنا واثق الخطى، ثاقب البصر والبصيرة بحمد الله، متقبل للرأي الآخر، فهو من دعاته والمطالبين به، فلا تعصُب ولا تحَسُب ولا تكَبُر.
وهو الذي يحث، ويشجع ويدفع بالمواطنين من أصحاب الفكر، والخبرة، والناصحين، والمختصين، وقادة الرأي، والراغبين بالمشاركة بصناعة المستقبل بما يرضي الله، ويخدم الوطن، بإبداء أرائهم وطرحها للنقاش، للأخذ بالصائب منها، فكما نعلم فإن المواطن "الصائت" خير من المواطن المتردد الصامت "في هذه الحالة بالتحديد"، فصالح الوطن، وصانع مستقبله هو المتحدث بصوت مسموع وبكلام موزون، صاحب الرأي والحجة، وليس المختفي، المتواري، الصامت المانع لصوته، "إلا في اللغو من القول" وذاك من لا نريد سماع صوته ابداً.
أشار جلالته في ورقته إلى أن "الديمقراطية في جوهرها عملية حيّة نمارسها جميعاً"، ألى أن وصل جلالته لغاية " أن تستمر المؤسسات والقوانين بالتطور والارتقاء نحو الأفضل"، فلسنا في حالة جمود، أو أننا وصلنا إلى الكمال مع أننا نسعى اليه بتوفيق الله، وقد ضرب لنا جلالته أمثلة من الديمقراطيات العالمية، كمثل: الملكيات الدستورية، والأنظمة الجمهورية البرلمانية، والتي نضجت في بلادهم، وبما يتوافق مع تركيباتهم الحضارية والأجتماعية والديمغرافية والتاريخية وحتى العقائدية، ويجب علينا الأخذ بكل ذلك، بعين الأعتبار ومع مرور الزمن ونضوج الفكرة، ومن خلال تحصيل الخبرة وأخذ العبرة، كما أشار اليه جلالته بقوله " وبالرغم من أن التجارب الدولية المقارنة تشير إلى الحاجة إلى عدة دورات برلمانية لإنضاج هذه الممارسة واستقرارها".
وعليه فأنني أوافق جلالته حفظه الله، إلى أننا "لكي نصل الى قيادات مؤهلة وقادرة على تحمل أمانة المسؤولية الحكومية" لا بد لنا من حسن اختيار "رؤساء الوزراء والفريق الوزاري"، خاصة وأننا لغاية تاريخه "لا يتوفر لدينا أحزاب سياسية فاعلة، ذات برامج وطنية قادرة على بناء الائتلافات، وعلى استقطاب غالبية أصوات المواطنين"، "لذلك، "علينا أن نباشر في بناء نظام الحكومات البرلمانية. وكخطوة أولى، فإننا سنبادر إلى تغيير آلية اختيار رئيس الوزراء بعد الانتخابات التشريعية القادمة، وفقا للمعايير التالية: إن رئيس الوزراء القادم، والذي ليس من الضروري أن يكون عضواً في مجلس النواب، سيتم تكليفه بالتشاور مع ائتلاف الأغلبية من الكتل النيابية.
وإذا لم يبرز ائتلاف أغلبية واضح من الكتل النيابية، فإن عملية التكليف ستتم بالتشاور مع جميع الكتل النيابية."
وهنا أجد شخصياً، أن رئيس الفريق الوزاري القادم، هو عنوان المرحلة القادمة غير السهلة ابداً، والذي إما أن يكون القادر على التعاطي بجرأة، وشفافية، وبعد نظر، وبمنطقية، وعقلانية، وخبرة، وقدرة على الحوار ومهارات الإتصال من توضيح وشرح وتبسيط لكسب الثقة كما شهدناه لدى بعض "ولا أقول كل" رؤساء وزرائنا السابقين، أو أن يكون ضعيف كتوما، سطحياً، دون منطق أو قليل الخبرة لا سمح الله. إن لم نحرِص ونحسن الإختيار ونتحمل مسؤولياتنا، فقد يبرز في الأيام القليلة المقبلة من يتصف بهذه الصفات أو تلك، وعليه فأن الحذر والأحتياط واجب ولازم، ولا مجال لترك مستقبل الوطن "للحظ"، فالتفكير والتخطيط للمرحلة المقبلة المطلة علينا فرض عين على كل عاقل وعاقلة، أولئك الواعون لمسؤولياتهم، المهتمون بمصلحة الوطن " فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وهذا برأيي هو مدلول الورقة الملكية، لمن يحسن القراءة والإستنباط.
وعليه فإن فكرة تولية رئيس وزراء "ربما يكون من خارج قبة مجلس النواب"، مشهود له بالحكمة والجرءة والحوار، حليم، مِنطيق، في زمن صعب، وجه نظر مقنعة، ومطمئنة حسب رأيي، فليس من المعقول مثلاً أن يترأس مجلس الوزراء شخص ولو كان "نائب"، لم يكن موظف دولة قط أو ليس لديه علم، خاصة وأن المرحلة القادمة هي مرحلة انتقالية سياسيا، تحتاج الى اصحاب الخبرة، وليس فقط اصحاب رؤوس الأموال أو اصحاب نفوذ.
خلاصة القول:
نعم، نريد أن ندفع باتجاه الأدارة الديمقراطية، ولكن بشرط أن يقود السفينة ربان يكون موضع ثقة القائد والمواطن، ينطلق بالوطن وبمؤسساته وبطموحات قيادته وشعبه للامام، فلا مجال للتجريب .