الحكومات والنواب ومسؤولية تنفيذ الرؤية الملكية
باتر محمد وردم
19-01-2013 05:21 AM
في الجزء الأول من ورقته النقاشية الثانية أوضح الملك عبد الله الثاني أمرين مهمين وهما التوجه التدريجي نحو الملكية الدستورية كخيار سياسي استراتيجي في الأردن والثاني هو طريقة تكليف رئيس الوزراء القادم بالتعاون والتنسيق مع الكتل البرلمانية الجديدة وهذا ما يشكل نقلة نوعية في تشكيل الحكومات ويمهد لمرحلة الحكومات البرلمانية.
هذا التوجه نحو الملكية الدستورية والحكومات البرلمانية من الصعب أن يحدث فجأة وبدون الشروط والعناصر الاساسية لضمان سلامة هذا التحول والتي طرح الملك منها في الجزء الثاني من ورقته قبل ايام مجموعة من المتطلبات وهي ثلاثة:
العنصر الأول هو “حاجتنا إلى بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق. ولا شك أن هذه العملية تحتاج إلى وقت حتى تنضج. ومع وصول أحزاب سياسية تتنافس على مستوى وطني، ووفق برامج تمتد لأربع سنوات إلى مجلس النواب، وحصولها على مزيد من المقاعد، وتشكيلها لكتل نيابية ذات قواعد صلبة، سيكون هناك قدرة أكبر على اشراك نواب كوزراء في الحكومة.” هذا الأمر بالطبع يتطلب بدوره عاملين دافعين في منتهى الأهمية وهما تسهيل العمل الحزبي والانتساب إلى الأحزاب وثانيهما قانون انتخابات يساعد على زيادة فرص نجاح مرشحي القوائم الحزبية لا الأفراد، وهذا ما يتطلب نسبة لا تقل عن 50% من مقاعد البرلمان مخصصة للقوائم الحزبية والسياسية.
العنصر الثاني كما جاء في وثيقة الملك هو “تطوير عمل الجهاز الحكومي على أسس من المهنية والحياد، بعيدا عن تسييس العمل، لمساندة وإرشاد وزراء الحكومات البرلمانية، خاصة وأن هذا النموذج يعني بمفهومه الأشمل أن الوزراء الذين يكلفون لتولي حقائب معينة قد لا يتمتعون بخبرة عملية سابقة في مجال عمل الوزارات التي سيتولونها (مفهوم الوزير السياسي مقارنة بالوزير التكنوقراطي). ولذا، فمن الضروري أن يصبح الجهاز الحكومي مرجعاً موثوقاً للمعرفة والمساندة الفنية والمهنية، ومن المهم أيضاً أن يعتمد الوزراء على خبرات هذا الجهاز في صنع القرار.”. هذا أمر في غاية الأهمية ويدركه تماما كل من يعمل في القطاع العام ومعه حيث ان الحاجة ماسة لتطوير القدرات الفنية للقطاع العام والذي بدوره يحتاج إلى استثمارات كبيرة في تقوية المهارات وفي التراتبية الإدارية المبنية على الكفاءة لا المحسوبيات ولكن فرص هذا التطور تبدو محدودة بدون آفاق واقعية لتعيينات جديدة وضخ دماء حديثة في الجهاز الحكومي تتمتع بهذه الكفاءات المطلوبة.
العنصر الثالث في الوثيقة هو “تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يعزز نهج الحكومات البرلمانية، وعلى مجلس النواب المباشرة بذلك والاستمرار في بناء هذه الأعراف وتطويرها. والهدف من هذا الأمر، هو أن تساهم هذه الأعراف في تأطير آلية تشكيل الحكومات من خلال التشاور والتوافق بين الكتل النيابية. وهذا سيتطلب بلورة فهم مشترك حول كيفية وصول هذه الكتل إلى وضع برامج تعكس سياسات متفق عليها كأساس للتعاون والاستقرار الحكومي”. هذه مسؤولية مهمة جدا ومناطة بمجلس النواب نفسه، حيث من المفترض ان يتمتع بالحس المطلوب من المسؤولية الوطنية في تطوير أدائه كما في البرلمانات الحديثة وأن تتشكل الكتل البرلمانية حسب البرامج لا المصالح، ولكن التجارب السابقة في مجالس النواب لا تبشر بالخير حيث كانت هنالك أصوات قليلة فقط تطالب بإصلاح النظام الداخلي وتواجه مقاومة شديدة من رئاسة مجلس النواب أو النواب النافذين والمؤثرين والذين لا يرغبون في الإصلاح والتطوير.
الوثيقة النقاشية للملك تتضمن الكثير من الأفكار الممتازة والحديثة والتي من شأنها إطلاق حياة ديمقراطية ناجحة ولكن تنفيذها يحتاج إلى إيمان حقيقي بهذه المبادئ من قبل الحكومات والنواب والأحزاب والمجتمع بشكل عام، وبدون وجود الإطار الناجح والملائم للتنفيذ ستكون عملية تحويل هذه الرؤية إلى واقع بطيئة التحول وهذا ما قد ينعكس سلبيا ايضا على ثقة المجتمع بالدولة. أن الحكومات والنواب هم أهم الجهات التي يجب أن تبدأ في تطبيق أوراق الملك النقاشية بدون إبطاء.
batirw@yahoo.com
الدستور