"يا ما كان" عرض مسرحي تنسل منه الإيحاءات
15-01-2013 02:04 PM
عمون - انسلت الايحاءات والمحمولات من العرض المسرحي المشترك اللبناني التونسي "يا ما كان" فيما غابت عنه بنائية النص وتماسكه رغم وضوح الفكرة الرئيسة فيه.
ورغم ان المخرج استطاع من خلال المسرحية التي عرضت مساء الاثنين على مسرح الدراما-كاتارا في الدوحة، أن يبني عرضه بذكاء جمالي الا انه لم يوفق في المشهد الاول من حيث دخول الممثلين العرض من صالة الجمهور، في مسرح تنطبق عليه شروط العلبة الايطالية، وهو ما ينتقص من الحميمية المفترضة الممكن خلقها مع الجمهور في هذه الحالة.
وركز المخرج خطابه البصري على مجموعه من الاشارات والعلامات الدالة اللغوية (النص المنطوق) وغير اللغوية التي منها العناصر (الاشياء) متمثلة بعناصر رئيسة من السينوغرافيا ومنها القطع والصناديق المتحولة والاكسسوارات والملابس إضافة الى الالوان، بحيث جاءت هذه العلامات بهدف إثراء الخطاب الدرامي.
ولعل ثالوث الجسد والالوان والاشياء، يحوي من خلال توظيفه كأشياء مادية نفعية مرتبطة بالواقع ، مثلما يؤدي وظيفة ايحائية رمزية تثري جماليات الفرجة المسرحية.
وما تركيز المخرج على دلالة الالوان في العرض المسرحي "يا ما كان" الا للتأثير في نفسية المتلقي وخلق متعة بصرية للعرض.
ومن الملاحظ انه من ايحائية اللون كذلك ان ارتبطت كل شخصية من شخصيات العرض المسرحي بلون محدد خاص بها وينسجم مع انتمائها العمري والاجتماعي وكذلك جاءت الملابس.
فيما جاء توظيف الثالوث المذكور سابقا من خلال علامة اخرى تتمثل بارتكازه على تحريك اجساد الممثلين داخل الفضاء المسرحي بايقاع منسجم وشعرية الخطاب اللغوي في النص المنطوق، ومن هذا المنطلق جاءت الاجساد حية وفاعلة تتسم بطابع الكوميديا الخفيفة الساخرة من الواقع الاجتماعي والسياسي اللبناني وليس بعيدا عن العربي في بعض قضاياه المركزية مثل القضية الفلسطينية التي شكلت محمولا كبيرا في اكثر من موضع في المسرحية.
اما فيما يتعلق في المنطوق فاسم العرض هو اول ما يلفت الانتباه في موضوع اللعب على المفردات وهي سمة لدى الاشقاء اللبنانيين في المسرح، حيث جاءت عبارة ياماكان إذا ما دخلت تجزيئات محددة تحمل مدلولاتها الكثيرة والتي لا تبتعد كثيرا عن قيمة العرض الرئيسة، ياما وكان كمقطعين بمعنى كان هناك فعل او مقام ، ويا ما مكان تأتي محاولة للتواصل مع المكان ومخاطبته، والاخيرة التي ترتبط بسرد الحكاية والتي تأتي بشكل كان يا ما كان.
اما فيما يتعلق ببعد الاشياء وفراغاتها فقد جعلها المخرج في علاقة انسجام تام مع الممثلين لدرجة تحول الشيء فيها شخصية مسرحية وما ارتباط جميع الممثلين بهذه العناصر الاشياء (الصناديق وغيرها) ليس الا تعبير واضح ودال على العلاقة الجدلية(الدياليكتيكية) التي جمعت بين الممثل والعناصر(الاشياء) بحيث تعمل على قلب الادوار الطبيعية وتقوم بانسنة الشيء وتحويل الانسان الى شيء.
جاء العرض مفعما باللعب على التناقضات حيث نجد الشقيق الذي يحمل بندقية لم يتم تجريبها ولا مرة وعليه حراسة البيت يرتدي بزة رسم على ظهرها صورة زهرة ، حيث حملت البندقية دلالة لإسقاطات على اسلحة الجيوش العربية التي لم تستخدم في وجه الغاصب الحقيقي فيما حاملوها دخلوا في معارك مع الشقيق في مشهد عراك الشقيقين حامل البندقية شقيقه المحامي، كما جاء ذلك التناقض في ذات الشخصيتين المذكورتين إذ انهما على كفي نقيض في طروحاتهما ، واحدهم يرتدي ملابس داكنة فيما الاخر بيضاء والاخير يتموضع غالبا في مقدمة الخشبة حيت يسلط عليه الضوء فيما يتراجع الاخر في عمق المسرح غالبا في الظل، بالإضافة الى المحمولات التي يعبران عنها فيما يتعلق بالشأن اللبناني.
الاحالات والاسقاطات على موضوعات ذات بعد سياسي في العرض الذي اقترب من التجريب في مواضع عديدة وجاء فيه الاداء الفني والجسدي / الحركي للممثلين مميزا لاسيما الفنانة الكبيرة حنان الحاج علي ، تنسل بوضوح من خلال العرض لا سيما ما يتعلق منها بقضية فلسطين ومنها حكاية العنزة والذئب والعنكبوت الذي صنع بيتا في زاوية البيت ورأته الفتاة وشقيقها، اللذان مثلا صورة من صراع الاجيال في مواجهة رب الاسرة.
الاضاءة التي تعددت فيها الالوان جاء بعضها محملا بمدلولات انسجمت مع العرض فيما ادركها التفاوت وعدم الانتظام في التوزيع في كثير من الاحيان، الا اذا كان المقصود من ذلك الاحالة على ظروف الانقطاعات المتكررة في الكهرباء في لبنان، فيما لم توظف الموسيقى ولم تنسجم مع العرض كما هو مطلوب، وجاءت مفرغة من مضامينها، وإن سعى المخرج الى احالة اغنية فرقة "البي جيز" "البقاء حيا" الى حالة الصراع السائدة في المجتمعات العربية رغم عدم توفر عنصري الوضوح والانسجام مع العرض الا ان اغنية اسمهان "ليالي الانس في فينا" لم يكن موضعها موفقا.
النافذة الافتراضية جاءت معبرة عن الامل المستمر كما جاءت مرافقة الجدة التي كانت في البداية تجلس وحيدة في البيت، العائلة حاملين معهم صناديق "الحكاية.. كان ياما كان" معبرة عن حالة التصالح بين الحاضر والماضي المغرق في قدمه وعراقته. (مجدي التل-بترا)