عمون - تروق لي كلمة ( أونطة ) التي يُطلقها الأشقاء المصريون على كل قول أو فعل لا يعجبهم و بكل ما أوتوا من سخريتهم المعهودة اللاذعة الناقدة و الرائعة و في الأكثرية من هذا الشعب الصبور الطيب .. و العظيم .
تمنيت لو أعرف من أين جاءت كلمة ( أونطة ) الى مصر " المحروسة " و التي أجزم أنها ليست عربية و انما هي كلمة أعجمية جاء بها الغزاة لمصر كالترك و الألبان و غيرهم .. و كما يبدو فقد ارتفع منسوب هذه الكلمة في عهد الرئيس أنور السادات و منها : عندما وصفه متذحلقون و متسلقون من الصحفيين خاصة كُتاب الأعمدة ب " الرئيس المؤمن " , و عندما هدد السادات معارضيه ب " الفرم " خاصة و أن طريقة الفرم الساداتية هذه لم يستخدمها أي دكتاتور في هذا العالم المترامي .
و اتذكر .. و في أثناء إحدى زيارتي للقاهرة في مهمة صحفية سمعت كلمة (أونطة) في أكثر من حادثة , ففي أحد المطاعم الشعبية عندما أعلن الرئيس السابق حسني مبارك أنه سيقوم بتوريث الحكم الى ولده جمال , كما سمعتها في القاهرة أيضاً و الرئيس الأمريكي بوش الإبن يهدد و قبل أيام من غزوه لأفغانستان بعبارته المعروفة : " I will smoke him " , و عندما سألني سائق تكسي في حديث بيني و بينه أثناء توصيلي من الجيزة الى الدقي عن معناها بالعربية قلت له : أن الرئيس بوش و جيوشه و حلفائه سيحولون المقاتلين في أفغانستان الى ما يشبه " السمك المدخن " و هنا انفجر هذا السائق مطلقاً كلمة ( أونطة ) مع ضحكة صاخبة للغاية .
و في الدار البيضاء .. و أثناء تغطيتي المؤتمر العام لإتحاد المحامين العرب العام 93 من القرن الماضي لصحيفتي " الرأي " خرجت و زملائي الصحفيين لساعات قليلة لنجول في أحياء المدينة المترفة و المُعدمة معاً , لقد فوجئنا و في حي من الأحياء المهمشة و الفقيرة بالمدينة " الحي المحمدي " بمشاهدة حظائر واسعة للمواشي الأكباش كأضحيات لتوزع على الناخبين في هذه الأحياء المهمشة و الفقيرة مقابل أن يقوموا بتسليم بطاقاتهم الإنتخابية للمرشحين إستعداداً للإنتخابات البرلمانية التي كان من المتوقع أن تجري بعد أسابيع .. حيث سارع أحد زملائنا الصحفيين المصريين بإطلاق كلمة ( أونطة ) على هذا المشهد الإنتخابي المؤلم .
و قرأت كلمة ( أونطة ) هذه في بداية و عزّ ثورة 25 يناير على إحدى اليافطات في ساحة التحرير للتعبير عن مدى السخرية التي انتابت المصريين في " موقعة الجمل " و التي كانت آخر الطلقات لفلول مبارك على الثورة و شبانها و شاباتها .
الأسبوع الماضي رُددت كلمة ( أونطة ) في الشارع الإنتخابي الأردني و على الأخص عندما أطلق أحد المرشحين رصاصة في الهواء من مسدسه تعبيراً عن فرحه بقبول ترشيحه .. و مرة أخرى عندما تنافس شقيقان على مقعد واحد في دائرته..!! و أطلقت أيضاً كلمة ( أونطة ) على بيع و شراء أصوات الناخبين و المرشحين و على قدم و ساق و دون رادع أو عقاب .
كلمة ( أونطة ) هذه ستبقى في الأفواه العربية الساخرة ما دامت الحكومات تخلت عن مهامها الأساسية التي وجدت من أجلها و أولها : تحقيق العدالة , و الحق في الملكية لبيت , و الحق في التعليم المجاني من رياض الأطفال حتى الجامعة , و الحق في التأمين الصحي المجاني , و الحق في العمل و حرية الرأي و التعبير و حقوق أساسية أخرى .
الإنتخابات أي انتخابات و في أي بلد ستكون زائفة و مضللة .. و إلهائية أيضاً في مجتمعات تصل نسبة الأمية فيها نحو 30% و البطالة نحو 40% و الخدمات الصحية و الإجتماعية متدنية و أراضينا محتلة أو مهددة بالإحتلال أو مهددة بالفوضى و الخراب و مهددة بكواتم الأصوات و الأرواح و في كل مكان..!!