المجتمع الأردني فتي , تعتبر قوة العمل الفعالة فيه والمقدرة بنحو 1.2 مليون نسمة متدنية مقارنة بعدد ممن هم في سن العمل أي أن الأردن يعمل بمحرك واحد من أصل ستة محركات !.
في تشخيص حالة سوق العمل , تتفق جميع الأطراف على نقاط الضعف والقوة ومواطن الخلل , بالقدر الذي تتفق فيه على الحلول , لكن المشكلة فيما يبدو بآليات تطبيق الحلول .
يمكن تلخيص المشكلة في صورتين غاية في التناقض , في الأولى .. مصنع طباشير في قرية نائية بالكرك , التحق للعمل به شبان وشابات تحرروا من البطالة , أما الثانية , شبان إحتجوا عليها فقطعوا الطريق في الطفيلة , وحرقوا الإطارات , بيد أنهم لم يغادروا البطالة .
في الصورة الأولى , شبان وفتيات لم يقبلوا البقاء في صفوف العاطلين بإنتظار وظيفة في القطاع العام , وفي الصورة الثانية قطعُ الطريق إستسقاء للوظيفة .
مصنع طباشير الكرك , قصة نجاح وطموح وحلم لشاب لم يكن يملك سوى اجرة الحافلة التي اقلته من عمان الى الكرك , بات اليوم في سنوات من الصبر مالكا لأهم ثاني مصنع في العالم , يذهب انتاجه الى 70 دولة تشاركه به أحلام 70 شابا وشابه.
في المشهد أيضا مفارقة غريبة , الأردني في بلاد الغربة يقبل عملا لا يقبل به في بلده , بعيدا عن الأسباب المجتمعية في تفسير هذه الظاهرة التي تنقلها لنا مئات الروايات عن أردنيين عملوا في الغربة سواء في بلدان عربية أو في أوروبا وأميركا , ممن سجلوا قصص نجاح أعقبت كفاحا ومعاناة , بدأت بعامل في مطعم أو محطة محروقات وغيرها من المهن المرفوضة أردنيا , وإنتهت بتملك مطعم ومحطة محروقات , كما في القصص , يمكن مشاهدة هذه الظاهرة بأم العين , في مئات العمال الوافدين في المرافق والمشاريع وغيرها من المهن .
لن نكرر الأسباب التقليدية للبطالة فهي معروفة ولن نكرر سرد الأسباب غير التقليدية , مثل ثقافة المجتمع والإستنكاف عن المهن ورفض التدريب وتفضيل مستويات مريحة في بيئة العمل , لكن يكفي أن نقول هنا إن مقدرة الإقتصاد على توليد فرص عمل عملية لم تعد مطلوبة حكوميا , بمعنى أن الأوان قد آن لتبديل أبواب الحكومة كمدخل للتوظيف , بأبواب القطاع الخاص , لكنّ هناك شروطا مطلوبة لتحقيق ذلك , الكفاءة والإجتهاد والإنتاجية من جانب الموظفين , مقابل الإستقرار الوظيفي والتدريب والتأهيل ومستوى ملائم للدخل من جانب الشركات.
تتوزع العمالة الوافدة في المملكة على قطاعات وأنشطة اقتصادية وتجارية وخدمية عدة في مقدمتها القطاع الزراعي بنسبة 27% والخدمات الاجتماعية بنسبة 26% والصناعات التحويلية بنسبة 20% والتجارة العامة والمطاعم والفنادق بنسبة 13% والبناء والانشاءات بنسبة 11% و3% لباقي القطاعات .
بلغ مجموع ما حولته العمالة الرسمية المسجلة في بيانات وزارة العمل من أموال الى الخارج نحو 380 مليون دينار في سنة 2011 , بمعنى أن كل عامل وافد من ال 280 ألف عامل بالمعدل قام بتحويل 10 آلاف دينار في السنة .
المشكلة الإقتصادية لا تزال أم المشاكل وستبقى كذلك ما لم يتم تسريع خطوات الإصلاحات المطلوبة , وفي الأرقام نقرأ أنه بالرغم من كل الخطابات التي تتغزل بتعظيم دور القطاع الخاص ليخفف الضغط عن القطاع العام بموارده المالية الشحيحة , فإن نحو 940 ألف أسرة أردنية او ما يقدر بنحو 5 ملايين من إجمالي عدد الاسر البالغ مليونا و132 الفا أي بنسبة 83 % من مجموع السكان المقدر عددهم بنحو ستة ملايين و111 الفا يعتمدون على المالية العامة كمصدر دخل رئيسي .
qadmaniisam@yahoo.com
الراي