أيها الغيث حيِّ أهلاً بمغداك .. *د. م. منذر حدادين
mohammad
12-01-2013 07:19 AM
لم يحملني إلى الصبا كمثل ما فعل ضيفنا الأبيض الوسيم بعد هطول مطري عميم. وإذ كسا بحلته ربوع غرب عمان وجدتني أزهو بصباح أردني جميل زانه رؤيتي للأستاذ الدكتور كامل العجلوني على رأس عمله سابقاً لأول موعد لمرضاه الساعة السابعة والنصف.
وزاد من سروري وزهوّي رؤيتي زملاءه الأطباء والطبيبات يملأون ردهات مركز السكري والغدد الصم حركة وحيوية يتحدثون إلى مرضاهم كمن يحادث صديقاً عزيزاً زارهم للتو. لم يثنهم عن عزمهم القيام بمهامهم الإنسانية صعوبات واجهها كثيرون غيرهم وأعطونا الأمل بأن الأجيال الصاعدة على شاكلة سابقيهم جادون في عملهم، مؤمنون بقدراتهم، ومصممون على أداء الواجب متحدين الصعاب.
وزاد مسرتي اضعافاً رسالة إلكترونية تسلمتها قي مكتبي ذاك الصباح من يوم الأربعاء 9/ 1/ 2013 أرسلها مساعد الرئيس التنفيذي في شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات المرابط في الوادي الأبيض بجوار بلدة السلطاني يخبرني فيها أن الرياح العاتية والبرد الشديد في الليلة المنصرمة لم تقف حائلاً بين عمال الوردية الليلية وأداء أعمالهم في الأجواء المكشوفة، وكانت كوادرنا قد تسلمت قبل أسبوع المصانع من المقاول الصيني لتشغيلها. وأضافت الرسالة أن سرعة الرياح وزخمها كفيل بإزاحة أجسام ثقيلة من مواضعها وجرها إلى أصقاع البادية.
وفي مجال الزراعة أشار المسؤول عن زراعتنا في غور كبد أن الأمطار مبشرة بالخير العميم وأن العمال تنطحوا لإصلاح ما جرفه فيضان الوادي المحلي بهمة لا تعرف الكللز.
هذه أمثلة من أداء العاملين في قطاعات الخدمات والصناعة والزراعة وجميعها تقول إن أبناءنا يبارون مناسيب المسؤولية ولذا فإن وطننا كان وما زال بألف خير. أقول كان وطننا لأن الضيف الوسيم ذكرني بضيافته لنا في ماعين عام 1944 وأفقنا ذات صباح أحد أيام كانون الثاني من ذلك العام وإذا بالدنيا خارج الباب «طاسيه بيضا»، وكان لا بد من الاعتناء باحتياجات أهل الدار واحتياجات السابلة، فما كان إلا أن وضع عمي عطيه رحمه الله نفسه في «شوال أبو خط أحمر» وربطت أمي رحمها الله عليه ذلك الكيس وأخذ رتل من البالغين منا في دحرجته فوق الثلج ليفتح الطريق إلى الطابون، وتمكنت أمي من الوصول للطابون لتحويل العجين إلى خبز، وأصر عمي على الاستمرار في دحرجته وهو داخل الكيس للوصول إلى المغارة التي تؤوي الأنعام من دواب يساعد في النقل وخدمة الأرض وأخرى توفر من حليبها احتياجاتنا من اللحم والحليب وذلك كي نتمكن من إطعامها والاطمئنان عليها. واستمرت عنايتنا بمستلزمات الإنتاج (الزراعي حينها) من قوى بشرية ودواب ما غرس فينا ألفة لها جميعاً.
وشاهدت فيما حملني إليه ضيفنا الوسيم منظري في الصبا وأنا مع أخواي الإثنين نشق طريقنا وسط العواصف من طلعة جسر الحمام في وسط العاصمة إلى المدرسة العبدلية الأولية مارين بجوار منزل دولة الرئيس توفيق أبو الهدى ودولة الرئيس إبراهيم هاشم وسينما الأردن إلى مدرستنا التي كانت محاذية القيادة العامة للجيش العربي- القوات المسلحة الأردنية في آخر شارع سينما الأردن. ولم نكن ثلاثتنا نعبأ بالصعوبات المناخية أو ندعها تقف حائلاً دون أدائنا واجباتنا المدرسية.
وكبرنا مع الوطن، وأجريت البحوث في حاجاتنا للمياه فزادني ذلك عشقاً للمطر وللثلوج لأنها الحياة والأمل في التقدم الاقتصادي والاجتماعي. وتوصلت إلى أن حاجتنا للمياه كمجتمع ينتمي إلى مرتبة الاقتصاد المتوسط الداني هي 1700 متر مكعب للفرد في السنة لتلبية الحاجات للمياه البلدية والصناعية ولإنتاج الغذاء ناهيك عن الاحتياجات الأخرى كتوليد الطاقة والنقل وتحسين البيئة. ويتوفر منها لنا اليوم بالمعدل ما لا يزيد على 350 متراً مكعباً أي ما يناهز 20% من احتياجاتنا.
ونحن نعتمد في توفير غذائنا على الدول الأخرى وهي دول في المعسكر الغربي توفر لنا الحبوب والألبان واللحوم الحمراء مقابل الثمن. ومع علمنا بهذا نرى المواطنين الأحرار منا ينادون بالاستقلال عن دول الغرب دون إيجاد بديل معقول لاعتمادنا عليها في غذائنا وفي توفير الآليات والآلات المصنعة باختلاف أنواعها.
كما نرى المسؤولين عن قطاع المياه في حكومتنا يصرحون لوسائل الإعلام بعجز عندنا في المياه يقل بكثير عن العجز الفعلي، فهم لا يحتسبون المياه التي تستعملها الدول المصدرة لنا الغذاء والآليات والآلات الصناعية.
ولو أضافوا ذلك لعجز ميزان المياه عندنا لكان وضعنا أكثر حرجاً مما يصرحون به. فالعجز هو بمقدار 1350 متر مكعب لكل فرد. فإذا بلغ عددنا 6,5 مليون نسمة كما هو متوقع قبل نهاية هذا العام يكون عجز المياه بمجموع 8,8 بليون متر مكعب هذا العام. وإذا كان ثمن المتر المكعب المستورد يناهز 8.5 فلساً نرى أن ثمن المياه المستوردة يناهز 80 مليون دينار أردني في السنة تدفع بالعملة الأجنبية للبلاد التي نستورد منها الغذاء والآلات ثمناً فقط للمياه المستعملة في إنتاج مستورداتنا ناهيك عن ثمن الأسمدة والعمالة والمبيدات والبذور...... الخ.
والزراعة المطرية عندنا تستعمل ما معدله 866 مليون متر مكعب سنوياً وهذا يعادل أكثر من ثلث المتوفر لنا من المياه وتوفر الأمطار نصيبنا من المياه السطحية المخزونة في السدود والمياه الجوفية المخزونة في الخزانات، ويزداد مجموع المتوفر بالطبع بزيادة الهطول المطري بما فيها الثلوج التي تنتظرها بشغف خزانات المياه الجوفية. وهو ما يفسر سرورنا الطبيعي باستضافة الضيف الوسيم.
الرأي