جورج قرداحي : هذا ليس ربيعاً
12-01-2013 05:01 AM
عمون - حاورته: سارة القضاة - قال الإعلامي اللبناني جورج قرداحي ليست الثقافة هي الظاهرة الوحيدة الغائبة عن القنوات الفضائية، كل شيء يغيب باستثناء بعض الفضائيات التي تعرض الفن، العالم العربي في وضع لا يحسد عليه، وانا أصفه بالمأساوي.
وتوقف عند دور المثقفين العرب قائلاً: لم نسمع أصوات المثقفين في الربيع العربي وكانوا غائبين، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، طبعا لا أقول انهم كانوا يدافعون عن الأنظمة، بالتأكيد لا، لكن لم أرهم يقودون هذا الحراك الثوري.
بعد عام ونصف من خروجه من فضائية MBC إثر تصريحات له عن الوضع السوري، يتحدث الإعلامي اللبناني جورج قرداحي في حوار مع «الرأي»، عن الثقافة والفن، وسبب خروجه من قناة MBC ليوضح الالتباس الذي حصل حول التصريحات.
تالياً الحوار:
المثقف و»الربيع العربي».
كيف ترى دور المثقف العربي في مواكبة الثورات ولماذا كان يغيب عنها؟
- لم نسمع أصوات المثقفين في الربيع العربي وكانوا غائبين، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، طبعا لا أقول انهم كانوا يدافعون عن الأنظمة، بالتأكيد لا، لكن لم أرهم يقودون هذا الحراك الثوري، بل قادته قوى أخرى لا استطيع أن أحددها لم يكن فيها مثقفين أو متنورين حقيقيين أو ثوريين، وهذا رأيي. ولا أعرف ما هو السبب في ذلك. كان الانطلاق الثوري في أيدي أشخاص يصفّون حسابات!
تأثير الربيع العربي على الإعلام والإعلاميين؟
- الربيع العربي فضح جزءا من الإعلام، هناك إعلام كنا نعتبره ونرى فيه موضوعية وإذ به إعلام يرى الأمور بعين واحدة وملتزم بسياسة واحدة تمليها عليه بعض الجهات الخارجية والإقليمية، وكان ذلك واضحا ونراه من خلال بعض المحطات. هذا الربيع العربي، وانا لا احب هذه التسمية لأنها لا تنطبق عليه، سوف يحفز قسما من الإعلام المتنور والموضوعي حتى يؤدي رسالته بكل جدية وحيادية وموضوعية.
غياب الثقافة عن الفضائيات
بعيدا عن السياسة، لماذا تغيب الثقافة عن الفضائيات العربية؟
- كل شيء يغيب عن فضائياتنا، إلا بعض الفضائيات التي تعرض الفن، لكن العالم العربي في وضع لا يحسد عليه، وانا أصفه بالمأساوي، والناس في حالة ضياع، ليس همها أن تتابع البرامج الثقافية، همها أن تعرف إلى أين سيصل هذه الحراك الدائر وما هو مصير العالم العربي. بالنسبة للبرامج الثقافية بالمطلق، بعد تجربتي الطويلة بالإعلام، البرامج الثقافية في الإعلام قليلة لان وسائل الإعلام تقدم للمشاهد ما يرغب به، وتلاحظ أن المشاهد يعزف عن البرامج الثقافية فتتجنبها، لأنها لا تعود عليها بالجدوى الإعلانية. في تجربة «من سيربح المليون» كانت فريدة من نوعها، وتجربة جديدة أثبتت للجميع انه بالإمكان تقديم برامج ثقافية ولكن اذا غلفت هذه البرامج بقالب جميل يمكن أن تمرري الثقافة إلى المتلقي، إنما اذا قدمت للمشاهد برامج ثقافية معلبة وأكاديمية، فالناس لا تتقبل ذلك.
هناك نحو 40 في المئة من الفضائيات تقدم البرامج الفنية والأغاني، لكن لا يوجد فن؟
- صحيح، لان الإعلام هو مرآة المجتمع، والإعلام يعكس صورة المجتمع الراهن، فإذا كان مجتمعنا يحب هذا نوع من البرامج، ويحب الابتعاد عن الفن الحقيقي والثقافة الحقيقية، فالوسائل الإعلامية ستجاري هذا الذوق، وستكون المنافسة في هذا الاطار.
- ألا تعتقد أن التكرار وضخ كميات هائلة من هذا النوع من الفن يجبر المشاهد عليه ويعيطه نجاحا وهميا، أحيانا الفضائيات تجبر المشاهد على هذا النوع من الفن؟
- صحيح، ولكن اذا بثت الفضائيات النوع الجيد من الفن ما الذي يضمن نجاحها واستقطاب جمهور لها، وستشعر أنها خارج المنافسة.
تبدو الفضائيات وكأنها تسحب الواقع إلى الوهم، لماذا تتنكر الفضائيات للواقع؟
- أنا لا اسميه تنكرا للواقع بقدر ما اسميه ابتعادا عن الواقع وعدم مراعاة أو اكتراث لما يجري في الواقع.. الفضائيات لديها شبكة برامج لا تتغير، وهذا سوء تقدير من الإدارات. الفضائيات تبث لكافة الدول العربية، ولا تستطيع أن تعمم واقع دولة معينة على باقي الدول العربية. حالة الهدوء الموجودة في الخليج لا يمكن تعميمها على حالة الحرب الموجودة في سورية، ولا حالة القلق والغليان الموجودة في مصر، أو حالة الانفلات في ليبيا، أو الحالة غير المستقرة في تونس. بعض المحطات للأسف موجودة في هذا الواقع الخليجي الذي يتسم بالاستقرار والازدهار حتى «اليوم» من حيث المداخيل المالية، وهم لا يعيشون حالة الناس في هذه الدول، لذلك هم في وادٍ، والعالم العربي في وادٍ آخر، وهذه الوسائل الإعلامية تعكس واقع هذه الدول.
الإعلام ورسالة التنوير
- أين هو دور الإعلام العربي التنويري؟
- هذا هو دوره المفروض.. لكن التسميات مبالغ فيها، يجب حذف هذه الكلمة من القاموس، فلا يوجد إعلام عربي، هناك إعلامات عربية، كما يوجد دول عربية ستصبح دويلات بعد عشرين سنة، الإعلام العربي سينقسم إلى إعلامات.. لا يوجد شيء اسمه إعلام عربي. كنا نعتقد بمرحلة ما أن هناك وسائل إعلامية تنتشر في كل الدول العربية، اليوم ثبت أن هذه الوسائل تنطق بأهواء وإرادات دول وحكومات فقط، ولا تهتم بالصالح العربي العام، وليس لديها أي دور تنويري للأسف. اعتقد أن الدور التنويري للإعلامات العربية سيأخذ شكله الحقيقي عندما يصبح هناك ديمقراطيات حقيقية في الأوطان العربية.
ماذا عن انتقالك من فضائية MBC، وهي فضائية ذات قاعدة جماهيرية قد تكون الأوسع عربيا، إلى فضائية اقل انتشارا، ألم تكن قلقا من هذا الانتقال؟
- لا، أبدا. حين حصلت مشكلتي مع MBC جاءتني اتصالات من عدد كبير من المحطات العربية واللبنانية، ولم أكن راغبا في ترك MBC، وكنت اشعر أنها محطتي، لها علي ولي عليها، فقد أعطتني الشهرة وفتحت لي المجال والنجاح وانا مدين لهذه المحطة، وكنت اعتبر انه لا يمكن أن انفصل عن هذه المحطة. انتظرت فترة ستة اشهر قبل أن اتخذ قراري على امل أن يفرجوا عن البرنامج الذي كنت قد سجلته معهم، لكن وجدت أن القرار السياسي المتخذ كان قرارا حاسما، وبهذا الوقت جاءني عرض فضائية الحياة، وهي قناة كبيرة والأولى في مصر من حيث مشاهدة الجمهور، وهي قناة واعدة ومنافسة. قناة الحياة اشترت حقوق « من سيربح المليونير» وقدمت لي البرنامج، أما القنوات الأخرى فعرضت علي برامج أخرى، أما «الحياة»، فجاءت إلي وقالت هذا برنامجك ونتمنى أن تقدمه أنت وبشروطك، وافقت، ولست آسفا.
ما زلت أكن المحبة ل MBC ، وافرح لنجاحاتها، لأنني اعتبر نفسي جزءا منها وهي جزء مني، فقد أعطيتها الكثير، قبل برنامج «من سيربح المليون» حين كنت مديرا عاما لإذاعة MBC لمدة سبع سنوات، ولي تاريخ مع هذه المؤسسة. لا اشعر بالحنين، أو بالرغبة في العودة هناك لأنها خذلتني للمرة الثانية، بعد أن خذلتني للمرة الأولى العام 2004، لذلك لن أعود إليها مرة أخرى. أنا أتفهم ظروف ال MBC ولا ألومهم، ولست عاتبا ولا حاقدا، وأتمنى لهم الخير دائما، ولكنني سعيد حيث أنا.
تداولت الصحف ووسائل الإعلام عدة أسباب حول انسحابك من مجموعة MBC ، ماهي أسباب هذا الانسحاب المفاجئ؟
- سبب خروجي من مجموعة MBC اصبح معروفا وحصل قبل سنة من الآن وأصبحت من الماضي، وحصلت على اثر بعض المواقف التي اتخذتها بشأن الوضع السوري، واعتقد أن مواقفي أزعجت بعض من كانوا في موقع المسؤولية، وتدخلوا في القناة وطلبوا منها إيقاف برنامجي الذي كنت قد سجلته معها، ووافقت الفضائية وانصاعت لهذه الأوامر. وأصدرت بيانا آنذاك اعتبرت أن فيه إساءة كبيرة لي، لأنها قالت فيه أنها مراعاة لمشاعر الشعب السوري قررت إيقاف برنامجي بعد المواقف التي اتخذتها، مع أن المواقف التي اتخذتها كانت مع الشعب السوري وليست ضده، ولكن بعض الناس فسرتها على أنها داعمة للنظام، ولكن اذا عدت لما قلته قبل سنة ونصف هي المخاوف التي أعربت عنها أن يصل الوضع في سورية إلى ما وصل إليه اليوم، وكنت أتمنى أن أكون مخطئا وان يكون من انتقدوني هم من على حق.
أنا لم ادعم النظام السوري، أنا خفت على الشعب السوري وخفت على وحدة سورية وما زلت خائفا عليها، لأن ما يجري اليوم إذا ما استمر سيفكك سورية، وسنصل إلى سورية مقسمة، وهذا ما أخشاه وما أخافه. سورية هي العامود الفقري للكرامة العربية، وحين تتفكك إلى دويلات لن يعود لها وزن ولن يعود لها وجود كما نعرفها، وستصبح المنطقة معرضة كلها للتفكك ولقيام الدويلات الصغيرة.
هل كان هذا هو موقفك من الربيع العربي ومن الثورات قبل سورية؟
- لا، كنت فرحا بالربيع العربي، وما زلت أقول أن الربيع العربي لم يبدأ بعد، لان الربيع العربي الذي نتحدث عنه، الذي يحمل الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الإنسان العربي في كل مكان، والتي لا نراها مصانة، لم تأتِ بعد، وحين نصل إلى هذه المرحلة والى مرحلة الديمقراطية سيكون الربيع العربي، ولكننا اليوم ننظر بريبة إلى هذا الربيع، ونشعر بوجود مؤامرة وكأن الأمة العربية تدخل إلى نفق لا نعرف اذا كنا سنخرج منه حتى بعد عشرات السنين.. ادخلونا بتطورات سلبية ستستمر لسنوات وسنوات وهذا ليس ربيعا حقيقيا.
عن الراي.