الشتاء .. عندما لا يتمناه الناس
ماهر ابو طير
03-12-2007 02:00 AM
تساقط الشتاء غزيرا ، ومبكرا ، هذا العام ، وهو الشتاء الذي ننتظره ، بكل شوق ، فيما لم يعد غريبا ، ان نرى كثرة لدينا ، تتجهم عند سقوط المطر ، فبدلا من الدعاء بسقوطه ، بات الدعاء بعدم حضوره ، هو الغالب.. لدى كثرة ، والسر هو في سعر وقود التدفئة.انقلبت الدنيا ، فالله عز وجل يرزق الناس ، المطر ، كرامة لفقراء ومساكين وارامل وايتام ومرضى ، وكان الناس سابقا ، حين يتأخر المطر ، يخرجون الى اعالي الجبال ، يأخذون اطفالهم ، وحلال اغنامهم ، ويدعون الله ، بتضرع وخفية وعلنية ، ان يرزقهم المطر ، وقيل دائما ، ان الجمع لم يكن يعود الى مساكنه ، الا.. وتستجيب السماء ، مأمورة من ربها ، فينهمر المطر ، وهو مشهد عظيم ، فيه انكسار لله ، ورجاء ، وتوسل واعتراف ان "شربة الماء" هي منه ، لا.. من غيره.
بعض الذين وسموا هؤلاء بالجهل والتخلف والوثنية ، ويحدثوننا اليوم ، عن نشرة الجو ، وثقب الايزون ، وارتفاع حرارة الجو ، والتغيرات المناخية ، ويكتفون بالتنظير علينا ، في غير موقع ومكان ، لايعرفون انهم حققوا الاخطر ضد الناس ، حين يحاولون سلبهم تعلقهم بالله ، فنعيش حتى نرى ، ان الفقير والمسكين والارملة واليتيم ، يتطير شرا ، عند سماعه النشرة الجوية ، وعند رؤيته لمطر يتساقط ، فلم يعد لديه كرم يفلحه ، والقصة بالنسبة لديه ، باتت ترتبط بكلفة سقوط المطر ، من اثمان للغاز والكاز ، والتدفئة الكهربائية ، وبات معروفا ، ان الناس حين تسمع عن منخفض جوي ، تتضايق ، وتعبس ، وتضع وجهها في وجه خالقها ، معترضة ، على شتاء اقبل ، على الرغم من ان الحمد نعمة ، وشكر الله نعمة ، وسقوط المطر بحد ذاته ، نعمة كبيرة لا يعرف فضلها الناس.
كان الشتاء ، يعني سابقا ، الخير والرزق والبركة ، وزوال الامراض ، ودفء العائلة ، والخير العميم ، وانتاج الثمار ، واليوم ، سلب كثيرون عذرية الشتاء ، وحولوه في نظر الناس الى شهور ثقيلة صعبة ، تعني تاثر العمل وعدم الذهاب اليه احيانا ، والتذرع بشتوة او ثلجة لاخذ اجازة عابرة ، وامسى الشتاء ، يعني انتشار الامراض ، فتعم الانفلونزا ، والرشوحات والتهابات الصدر ، وغير ذلك من قصص ، وقصة الشتاء ، تشابه قصة الزيتون ، الذي كان مباركا ونورا ورزقا ، امسى اليوم ، سببا في اصابة الناس بالربو ، واصبح عبئا على المزارع ، وعلى رب العائلة الذي لايستطيع شراء مؤونة البيت من الزيت ، الا بالاستدانة ، اذا وجد من يداينه اساسا ، في هذا الزمن.
لم تنقلب الاشياء الى النقيض ، الا لأن الناس انقلبوا ، فالفقير الذي كان يشكر الله على الشتاء ، وهو لايجد رغيف يومه ، لم يعد هناك مثله ، وفقير اليوم يتبرم من الشتاء ، ويحدج السماء بعينيه غاضبا ، على الكلف التي سيدفعها ، والشتاء لن ينقلب من قاتل للامراض ، الى مسبب لها ، الا.. لأن كثيرين ، غيروا نواياهم ، فقد سلبتهم العصرنه روحانيتهم ، فباتوا مجرد موتى يمشون على الارض. الفقير والغني ، اللذان كانا يزرعان الزيتون ، فيطعم الغني ثلث زيته وزيتونه للمحتاجين ، فيأتيه الرزق من حيث لايحتسب ، لم يعد هو ذات المزارع اليوم ، الذي يمارس الطمع والجشع ، ويخلط الزيت بالزيت ، او يطعم غيره ، على مضض وهو متضايق ، من العطاء ، مقهور ممن يسميهم المحتاجين.
لم تتغير الاشياء ، في حياتنا... الا لاننا تغيرنا ، فقد عشنا زمنا ، باتت فيه البركة وحكايات جدتي ، عنها ، مجرد هلوسة ، في زمن العولمة والمتعولمين ، والعصرنة والمتعصرنين ، وبينهما ، فريق كبير من فاقدي الذاكرة والروح معا.