الرومانسية .. ربما تكون الحل
عدنان الروسان
18-02-2007 02:00 AM
نحن بحاجة إلى قليل من الرومانسية الوطنية ليكون حب الوطن خالصا لوجه الله
ليس منطقيا أن تكون العلاقة بين الحكومة والصحف اشتراكات وإعلانات فقط
نحن بحاجة إلى التصالح مع الذات وأن ندع الآخرين يعملون إذا لم يكن لدينا ما نفعلهالكثير من المشاكل الوطنية المستعصية هي على شاكلة القضايا القومية العربية التي عصفت وما زالت تعصف بالأمة ، وبالتالي فإن التفكير بحلول أخرى غير الحلول النمطية التي تعودنا على الخوض فيها ربما يشكل مفتاحا جديدا للحل ، فنحن نعاني من عدد من القضايا الحقيقية التي تثقل كاهلنا في الأردن ويعرفها القاصي والداني ، مشكلة المديونية ومشكلة الفقر ومشكلة البطالة وما إلى ذلك مما يعرفه الجميع ، ولكن مما يزيد الأمر سوءا ، أن هذه القضايا تحولت من قضايا وطنية ملحة بحاجة إلى حل ‘ إلى قضايا تجارية نتعاطى معها في بازار الثقافة السياسية أو السياسة الثقافية وبالتالي فقد فرضنا على الوطن وزر شهواتنا ورغباتنا وطموحاتنا الشخصية وحولنا القضايا كلها إلى أوراق للمساومة على ما نريد وما لا نريد .
لقد برعنا بصورة كبيرة في ابتزاز بعضنا البعض لدرجة كبيرة بحيث أصبح الابتزاز جزءا لا يتجزأ من التركيبة الضرورية للشخصية السياسية أو الصحفية الناجحة ، وامتلأنا غرورا بحيث اصبح كل سياسي مبتدئ يظن نفسه تشرتشل أو ديغول ، وكل صحفي لا يعرفه أكثر من عشرين شخصا محمد حسنين هيكل أو توماس فريدمان ، كما أن الكثير من النشرات والمطبوعات أضحت في عيون أصحابها توازي التايمز والنيويورك تايمز تأثيرا وأهمية .
الجعجعة التي تصدر عنا كبيرة جدا بحيث يخيل للسامع أن ورائها طحنا ، فإذا ما انجلى الغبار ، وإذا بنا لا سنابل ولا قمح ، ولم نكسب من الضجيج إلا وجع الرأس والفقر وقلة الحيلة ، لقد نجحنا في جر الحكومة وكل الحكومات أن تتأقلم مع هذا الأداء ، وتمكنت النخب المثقفة والسياسية من فرض منظورها للأمور على الحكومات بطريقة تثير السخرية والاستغراب في آن ، فالحكومة أي حكومة ، بدل أن تجلس في الطابق الرابع في الدوار الرابع تفكر في حل المشاكل ووضع الأسس للتقدم بالبلد نجدها تعيش على وقع الأسبوعيات والإشاعات وديوانيات السياسة التي تبدأ بالكلام عن التعديل في الشهر الأول من عمر الحكومة وعن التغيير في الشهر الثاني أو الثالث ، وكأن حمى الوزارة أصاب مجموع الناس ‘ فكل يريد أن يكون وزيرا أو مستشارا أو سفيرا .
لا يمكن الاستمرار بهذه الحالة إلى مالا نهاية ، ولا يمكن أن تكون البلد كلها معلقة من رقبتها جاحظة العيني بانتظار التعديل والتغيير وكأن أهم إنجاز لدينا هو التعديل والتغيير ، ولا يمكن أن يبقى الأردن أسيرا نزواتنا ورغباتنا ، وحاجتنا إلى القبض حلالا أو حراما ، ولا يمكن أن يكون مستقبل أبنائنا بين أيدي مجموعة من السحرة يريدون أن يشكلوا رأيا عاما حسب أهوائهم ، وأن يكون شعارهم يا لعيب يا خريب كما كان يفعل الجهال ذات زمان .
إننا بحاجة إلى قليل من الرومانسية الوطنية ، نعم نحتاج إلى حب يجمعنا بالأردن من نوع الحب العذري الذي يستمتع المحب فيه في التفاني في إرضاء المحبوب دون التفكير في انعكاسات ذلك الحب على الجسد ، نريد حبا من الكتاب والصحفيين لا يكون مرتبطا باشتراكات أو إعلانات لجريدة لا يقرؤها أحد ولا يعرف باسمها أحد ، أو تعليم لأبنائنا على حساب الحكومة ولو كانوا راسبين في عملهم ، ولا مرتبطا بشيك من هنا أو شيك من هناك ولا مرتبطا بوظيفة أو تنفيعة دون وجه حق ، حب يكون فيه الأردن محبوبا لذاته ، لأنه أعطانا أرضا وسماء ، أعطانا وطنا دافئا إن تغطينا به ، ورؤوفا أن عققناه ، وأعطانا قيادة تسمع وترى ، وأعطانا سمعة مثل المسك بين الجيران القريب منهم والبعيد .
نحن بحاجة إلى التصالح مع الذات ، وأن نتقي الله في أنفسنا وفي وطننا وفي القائمين على العمل العام ، والحكومة بالذات أي حكومة ، لا يمكن أن نستنزف أوقاتها بالطخ عليها ليل نهار ، ولا إرباكها بالقيل والقال في الصالونات السياسية وفي بعض الأسبوعيات التي لا تستطيع تسديد فواتير الطباعة فتصب جام غضبها على الحكومة والوطن والمواطنين .
لا يمكن أن تكون الحرب مفتوحة كل الوقت لتحقيق مأربنا الشخصية بغض النظر عن كل الاعتبارات وكل المصالح العامة ، ولا يمكن أن نكرس حياتنا كلها من أجل مصالح فردية ، ولا يمكن أن يكون الحب كله والكره كله من أجل حفنة دنانير .
ليس مطلوبا أن نكف عن مراقبة الحكومة ونقدها ، بل والقسوة عليها حينما تكون هناك مخالفات وتجاوزات فهذا حق شرعي بل واجب وطني علينا أن ننتقد وأن نعلي الصوت بالنقد شرط أن يكون ذلك لوجه الله ومصلحة الوطن .
جميل هو هذا الوطن ويستحق منا لحظة رومانسية صادقة ولو مرة في الحياة .