احمد طه ياسين رمضان:ليس عندنا طائفية في العراق .. والقوات الامريكية استخدمت الفسفور الابيض المحرم دوليا في معركة المطار
03-12-2007 02:00 AM
عمون - حوار فاطمة بن عبد الله الكرّاي
شاب في مقتبل العمر، لكن نمط تفكيره وطريقة أخذه للأمور السياسية، توحي وكأن عمره الدّهر...
التقيته في احدى المدن العربية، لا هي خليجية بالمعنى المتعارف ولا هي مدينة مشرقية مثل القاهرة وحلب... المهم، التقيته لمدّة ساعتين ونيّف... وكان هذا اللقاء، الذي كشف فيه أحمد طه ياسين رمضان ما لم يُنشر من قبل... من العراق الآن الى العراق بالأمس، ومن توقيت أسر والده الشهيد الى لحظة اغتياله، تحدّث أحمد طه ياسين رمضان، وهو الابن الاكبر للذكور في حين له أخواته أكبر منه...يتعفّف في كل مرّة أسأله عن معاناة العائلة ساعة الاحتلال، أو عن ظروف العائلة الآن... فبالنسبة إليه، العراق هو الأهم والأمّة أشدّ اهمية...
بعيدا عن التنظير الفكري والسياسي، بدا رجل القانون الذي أمامي، شابا عربيا متمسّكا بثوابت «كان الوالد أحد من وضعها مع رفاقه في حزب البعث أيّام النضال السري»... بدا أحمد متشبّعا بما قصّته على مسامعه أمّه، وهي ترعاه واخوته في غياب الوالد، الذي لم يكن لديه الوقت، ليقصّ على ابنه الوحيد، قصص العذاب أيام النضال السلبي، كما يحلو للمناضلين الاول أن ينعتوا نضالاتهم وثورتهم ضد الموجود والسائد...
خلال بعض القصص التي رواها على مسامعي، وقرّاءها كما أكّد لي ذلك بنفسه، بدا الشاب صارما قويّا فيما يخرّ سامعه ضعفا وربّما بكاء من شدّة الموقف وقوّة الصّورة وعظمة المشهد في بعض الأحيان.
بين الجوانب الانسانية التي تؤلف القصّة «Storice» وبين الخبايا السياسية والمواقف الفكريّة، كان هذا اللقاء... أحمد طه ياسين رمضان الذي يتنقّل بين اليمن والامارات العربية المتحدة وبعض بلدان الخليج الأخرى، هو ضيف «حديث الأحد» هذه المرّة... لا أقول التقيته صدفة، وإنّما لعبت العلاقات ودفتر العناوين دورا أساسيا...
ذاتيا أوصاه الوالد بأن يقيم له فريضة الحجّ، وها هو الابن يتهيّأ لتنفيذ وصيته... وموضوعيا طلب طه ياسين رمضان من ابنه لحظات قبل اعدامه، أن تعود العائلة الى الوطن، ما ان ينتهي كلّ شيء... أي الاحتلال.
ولأن الرجل كان واثقا من حركة التاريخ، فقد جاءت هذه الوصايا على لسان نائب الرئيس صدّام حسين، لأهله، وهو في كامل قوّته وصبره...
تردّدت لحظة قبل أن أبدأ بالسؤال الشخصي، أي كيف عاشت العائلة موقف الغزو وموقف الاعدام وما بينهما الأسر الذي تعرّض له طه ياسين رمضان وشدّة التعذيب التي أمكن للاعلام ساعة المحاكمة أن يقف على نزر قليل منه... لكنّي عدت وسألت محدّثي:
* كيف تعاملتم كعائلة مع وضعيّة الاحتلال التي تأكّدت بعد التّاسع من نيسان 2003؟
ـ أوّلا، كنت شخصيّا الى جانب الوالد في واجب التصدّي للاحتلال... ثانيا، عائلتي، أخواتي وأمّي وعمّاتي، تعرّضن الى المضايقات وأحيانا الأذى، من قوات الاحتلال وعملائهم، حتى يعرفوا مكان الوالد... والحقيقة أنهن لم يكنّ يعرفن أين القيادة... هذه بديهية في العمل النضالي... اضطررنا كعائلة أن نغادر بعد الاحتلال بسنتين، وتوزّعت العائلة بين العواصم والمدن العربية التي احتضنت «عوائل» (عائلات) المسؤولين العراقيين، وهي سوريا واليمن والأردن والامارات العربية المتحدة وقطر...
وهنا شدّد محدّثي على أن في العملية احتضانا لأسر القيادات العراقية وليس استضافة فقط، في بعض هذه البلدان... معبّرا عن امتنان للأشقّاء كما قال.
واصل أحمد طه ياسين رمضان، الحائز على شهادة باكالوريوس (الاستاذية) في القانون، والذي يعمل الآن في مجال قريب من القانون خارج بلده بالطّبع، قوله في وصف حالة والدته وهي تعلم بنبإ الأسر ونبإ الاعدام.
والدتي قويّة... فهي على دراية تامّة بنشاط الوالد في فترة النضال السري... لقد عرف والدي التعذيب وكانت والدتي تعيش معه... وهي صابرة ومتفهّمة، وتعرف مقتضيات الواجب... صحيح أنها كانت تقصّ علي قصص العذاب في السجن، واللجوء، التي تعرّض لها الوالد في بداية حياتهما الزوجية، لمّا كان يناضل في صفوف أبناء الثورة، ولكنّي لم أخف دهشتي تجاه موقفها القوي ساعة أسر والدي الى حدّ إعدامه...
* قلت لي قبل قليل انّك كنت الى جانب الوالد، عندما بدأت الحرب، والغزو... هناك لحظات فارقة، بين 20 آذار و9 نيسان 2003، نسمع عنها من كل طرف قصّة... فماذا تقول لنا عن هذه الفترة، وكيف عشتها وكيف تعامل معها الوالد؟
ـ لقد انفصلنا عن العائلة، أنا ووالدي، أسابيع عديدة قبل بداية الحرب... كنت مع والدي في أداء الواجب... انتدبت في مجال الترجمة، ومازلت لم أتسلّم خطّتي بعد، حتى بدأت الحرب الامريكية على بلدي... نعم، يوم التاسع من نيسان، كان لحظة فارقة وحالة غير عادية... بعد التّاسع من نيسان، قرّر الوالد، وهو أحد مؤسسي حزب البعث أن يتوجّه الى الموصل مسقط رأسه، ليعيد تنظيم الحزب من جديد.. كنت الى جانب والدي يوم التاسع من نيسان.. نحن لم نشاهد إسقاط تمثال الرئيس في ساحة الفردوس، لأننا كنا نتنقّل بسرعة الى أماكن غير أماكننا.. لقد كان واضحا أن كل شيء انتهى.. انقطع البريد الذي كان يصل بين والدي والسيد الرئيس (صدّام حسين).. كان شخصا معيّنا يقوم بهذه المهمة.. يذهب ويأتي بين والدي والرئيس، ثمّ انقطعت طرق التواصل مع القيادة..
* هنا سألت محدثي مستوضحة حول نقطة كثر الحديث حولها: هل أن القيادة العراقية تفاجأت بما حدث يوم التاسع من نيسان، وكيف تصرّفت القيادة، انطلاقا مما رأيته مع والدك؟
ـ بعد برهة من التفكير قال أحمد طه ياسين رمضان وهو يشبك يداه في مستوى الأصابع العشرة: كل ما فهمته بعد التاسع من نيسان هو أن القيادة لم تعد على اتصال ببعضها البعض.. بعدها أصبح كل قائد يجتهد.. بعض المسؤولين اضطرّوا الى أن يسلّموا أنفسهم بعد فترة من الاحتلال.. خوفا على عائلاتهم.. لكن ما أؤكده أن أعضاء قيادة الثورة لم يسلّم أحد نفسه، إلى أن تمّ أسرهم بالوشاية..
مثلا، في عائلتي تعرّضت شقيقات والدي (عمّاتي) الى المضايقات للوصول إليه.. لكن والدي لم يذعن للاحتلال.. مثله مثل صدّام حسين.. لو قتل الاحتلال كل عائلتهما، ما كانا ليسلّما نفسيهما ولولا النفوس الضعيفة الخائنة، ما كان الاحتلال ليتمكّن منهما..
* طيّب، لو ندقّق قليلا في المعلومة، لتكشف ما لم ينشر أو يعلن من قبل: كيف كان موقف الوالد وهو يسمع نبأ «احتلال بغداد».. طبعا أسألك عن موقف طه ياسين رمضان كمسؤول من الصّفّ الأول؟
ـ الحقيقة، فاجأني الوالد بموقفه.. يوم سمع أن كلّ شيء انتهى.. تصرّف كمناضل.. بدا لي وكأنه لم يكن في أعلى مراتب السلطة أبدا.. كنّا بمنطقة الأعظمية يومي 9 و10 نيسان2003، فجر التاسع من نيسان، نهضنا باكرا وصلّينا الفجر، وكانت المقاومة في الأعظمية، على أشدّها، «فدائيو صدّام» قاتلوا ببسالة.. قاتلوا كثيرا كانوا أقوى سند شعبي يمكن أن يحتاجه الجيش العراقي.. صحونا الفجر إذن، وبعد الصلاة، همّ والدي لأخذ الرتبة العسكرية لوضعها على كتفيه، وقد لبس الزيّ العسكري، فقال له أحد المرافقين: سيدي لا تستطيع أن تخرج بهذه الملابس.. وكان المرافق يشير الى ما كان يحدث ويتقدّم بالحدث في ساحة الفردوس.. غيّر الوالد ملابسه، وارتدى الزي العربي، وبدأنا منذ تلك اللحظة التنقل من محافظة الى أخرى.. حتى نصل الى محافظة الموصل التي تبعد أكثر من ثلاثمائة كلم عن بغداد.. كأن الخطة مرسومة في رأسه، كان الوالد يتحرّك بسرعة، حتى يصل الموصل ويعيد التنظيم الى نشاطه الموكول له.. فلم يعد حزب البعث الآن في السلطة بل في المقاومة.. لم يكن يتكلّم.. كان صامتا ورأيته قويا وسريعا وشديدا.. لم يفصح عن أيّة خطّة، بل كان عمليا أكثر منه منظّرا أو مفسّرا لحالة هي بكلّ المقاييس حالة فريدة وفارقة وصعبة.
كان والدي في تلك اللحظات يبدي حاجة الى الوقت لكي يرتّب ما يريد ترتيبه، فقيادات الحزب لم تتبخّر بل كانت موجودة على الأرض.. كانوا صامدين، والتنسيق كان محكما، الرسائل تصل من شخص الى آخر.. أعتقد أن القيادة العراقية، تنبّأت بما كان سيحصل أو الذي حصل.. فلم أرَ والدي أو قيادات أخرى ممّن رأيت، مشدوهين أو ضعفاء من المفاجأة.. بل كانت سرعة الحركة وسرعة الردّ بالمقاومة والصمود هي ديدنهم.. والدليل أن المقاومة العراقية لم تتوقف الى اليوم فقد ظلّت مستمرّة..
* في المقاومة: هذا الملف أيضا عرف لغوا وحديثا كثيرا.. من يقاوم في العراق.. هل هم العراقيون السنة أم مختلطين.. هل هي القاعدة هل هي أطراف عربية.. نريد أن نعرف حيثيات انطلاق المقاومة يوم التاسع والعاشر من الأعظمية وقد كنت حاضرا؟
ـ هم العراقيون.. من كلّ الفئات والمذاهب.. هذا الوطن هو الذي تعرّض الى الاحتلال.. رأيت عربا يقاتلون، وبارك اللّه بهم، استشهد منهم من استشهد.. رأيت قسما من المقاتلين العرب لم يكونوا يعرفون حتى استعمال سلاح «الآر. بي. جي» كانوا صغارا بالسن.. ولكن الحمية القومية أخذتهم، واعتبروا الدفاع عن بغداد واجبا.. أعيدها: «بارك اللّه بهم» و«رحم اللّه الشهداء منهم».. القتال ظلّ مستمرّا والجيش العراقي لم يتبخّر.. وهناك تشكيلات عديدة.. المقاومة حقيقية كل فئات الشعب العراقي تقاتل.. حقيقة.
* ماذا كان يقول الوالد بعد احتلال بغداد، وحديث الاعلام بأن القيادة هربت؟
ـ كان مشغولا بالعمل.. مثلا بوصفي إبنه كنت أتخيل أن يهتمّ والدي بالعائلة، لكنه أوكل هذا الأمر لي.. بقيت في العراق الى ما بعد الاحتلال وما بعد أسر والدي.. صحيح، كنا نتابع ما يصدر بالاعلام من وجود خيانة بالجيش، أو أن القيادة العراقية فرّت وهربت، لكن كل هذا غير صحيح.. وكانت القيادة تعتبرها (تلك الأنباء) محاولة محبوكة من الاحتلال، لاستدراج القيادة، حتى تخرج الى العلن.. لتقبض عليها.. وتتذكّرين، أنه لما لم تنطل تلك الحيلة، سلك المحتلون نهجا آخر: شراء ذمم بعض المقربين من القيادة من مرافقين.. وهذا ما حصل مع عدي وقصي، وما حدث أيضا مع والدي والسيد الرئيس..
* من الأنباء التي ظلّت غامضة، حتى لا أشير الى عملية المضاربة بالمعلومة التي امتزجت فيها الاشاعة بالواقع، عملية احتلال الأمريكان للمطار، وحقيقة المعركة التي أضحت تنعت بمعركة المطار، وحقيقة ما كان يقوله الوزير الصحّاف.. هل بإمكانك أن تقدّم لنا حقائق بصفتك على تماس القيادة وعلى تماس الميدان، وهل تفاجأت القيادة العراقية بوصول الأمريكان الى أطراف بغداد من الوسط، وهي التي هيّـأت ثقلها الدفاعي في الشمال؟
ـ الخطة التي أعلنت في البداية، هي أن الأمريكان سيهجمون من الشمال.. وقد تركزت فعلا قوات عسكرية مهمة في شمال العراق.. لكن القيادة، وبرفض تركيا عبور قوات الاحتلال من أراضيها، كان واضحا أن لدى الأمريكان خطّة بديلة..
لقد استعمل الأمريكيون خطّة أخرى، حاولوا من خلالها أن يلتفوا حول بغداد.. انتهى كل شيء لما وصلوا ضواحي بغداد..
والحقيقة هذه فرصة، لكي أصحّح بعض المعلومات وطريقة التعاطي مع ما وقع ويقع في العراق.. العراق، يا سيدتي، أنهك لمدة ثلاثة عشر سنة، عبر الحصار تحديدا ومن خلال الهجومات الجوية في الشمال والجنوب شبه اليومية.. العراق، وفي ظرف 13 سنة تعرّض الى ثلاثة حروب جوية قاسية، الأولى في كانون الثاني/شباط 1991 والثانية في 1998، عهد كلينتون، والثالثة التي بدأت في أذار 2003، اضافة الى الحرب شبه اليومية في الشمال والجنوب.. عندما انتهى كل شيء في التاسع من نيسان 2003، كانت قواتنا في الشمال، التي تهيّأت للهجوم ـ الغزو، كبيرة ولم تتبخّر ولم يمسّها أذى.. تقريبا.
* ألهذا السبب بقي السيد عزّة الدوري الى الآن قائدا للقوات؟
ـ طبعا الأستاذ عزّت الدوري كان مسؤول المنطقة الشمالية للقوات العسكرية قبل الحرب.. كان الرئيس قويا وماسكا بكل الأمور الدقيقة وقد تمثلت الخطة العراقية (وهي مجموعة امكانيات ولا تقتصر على سيناريو واحد) أن يكون الجيش منتشرا داخل المدن، حتى إذا ما حطّ الغزاة أقدامهم، نجبرهم على حرب الشوارع التي لا يقدرون عليها. وهذا ما حصل، وما هو حاصل الآن.
وبالعودة الى نص سؤالك السابق لهذا التساؤل، أقول ان التركيز الدفاعي العراقي تمركز في المدن، وهذه نظرية صائبة، في حين بقيت الصحراء فارغة.. التفّ الأمريكيون من خلال مدينتي «النجف» و»كربلاء» وعندما وصلوا الى بغداد كان كل شيء قد انتهى.. والقيادة لم تفاجأ من هذه الثغرة، التي أحدثها عملاء لإيران ومتعاونون حتى يسهّلوا دخول الاحتلال عبر «كربلاء» و»النجف».. وهنا، أقول انه من السهل وفقا لما حدث وكما حدث حدّثتك، من السهل على القوات المسلحة التي بقيت في الشمال، أن تعيد تنظيم صفوفها وتقاتل من أجل مناعة العراق واستقلاله..
* طيّب ومعركة المطار.. ما حقيقتها؟
ـ كنت في بغداد، وتحديدا كنا في ضاحية اليرموك وهي منطقة قريبة من المطار. كان السيد الرئيس صدام حسين موجودا، يكرّم الجنود ويشدّ على أيديهم بفعل استبسالهم في معركة المطار.. كان الرئيس ووالدي معه، يتجولان في شوارع العراق، يزوران الأماكن التي يقصفها جيش الاحتلال الأمريكي..
وبعد احتلال المطار من قبل القوات الأمريكية استطاعت القوات العراقية أن تسترجعه، وقد أعلن عن ذلك السيد الوزير الصحاف، وكان الأمر صحيحا. رغم أنه اتهم بالكذب، لكني أقول لك، ولأول مرة أقول هذا: الرجل صادق.. ودافع عن بلده.. وكل ما قاله كان واقعا وحقيقة..
لكن بعد إعادة احتلال المطار من القوات الأمريكية، يجب أن نفهم معلومة مهمة وهي واقع وحقيقة: الأمريكيون لم يعيدوا احتلال المطار بالمنازلة وقوة المارينز.. بالعكس، فقد انفضّوا عن الماطر عبر دائرة قطرها واسع جدا، لكي ينفّذوا هجومهم بمادة الفسفور الأبيض مما أدّى الى سحق القوات العراقية المقاتلة.. ومن شدّة فظاعة المشهد، رفض السيد وزير الدفاع سلطان هاشم ان يقع تصوير الحالات المريعة، والبشاعة التي تعرّض لها الجنود العراقيون، بفعل مادة الفسفور المحرّمة دوليا بالطبع، والتي تجعل الجثة تتحلّل.. هذا هو التفوق العسكري الأمريكي: انه بالسـّلاح المحرّم، رفض السيد وزير الدفاع التصوير، حتى لا يؤثر الأمر على معنويات الجيش العراقي..
* اسمح لي، سألحّ في السؤال من أجل تدقيق المعلومة.. ما هي الخطة التي قد تكون القيادة العراقية استقرّت عليها باعتقادك بعد عملية المطار واحتلال بغداد؟
ـ أظنّ أن السيد الرئيس، وبالاجتماع الأخير للقيادة قبل التاسع من نيسان 2003، أعلن المقاومة كخيار بديل في حال احتلّت البلاد..
قاطعت محدثي وسألته: اجتماع مطعم السّاعة؟ فردّ بسرعة: أبدا، لم يكن هناك.. بل ان القيادة لم تجتمع ولا مرّة واحدة في «مطعم الساعة» ببغداد، الذي كثر الحديث حوله بعد قصفه من القوات الامريكية..
إذن أقرّت القيادة أن يتصرّف كل واحد بمفرده.. في حال حصول المكروه.. لكن ما يمكن أن أؤكده أن القيادة كانت تعلم أن الاحتلال قادم وبشراسة، لكنها لم تكن تتوقّع أن يكون الاحتلال بهذه السرعة.. الستة أشهر الأولى من المقاومة الباسلة، تلك التي تلت الاحتلال كانت كفيلة بأن تكشف أن القيادة كانت مهيّأة لهذه الوضعية.. لقد تمّ الالتفاف على بغداد من القوات الأمريكية والبريطانية الغازية، عبر الوسط.. وهنا لعب الدور الايراني دورا مفصليا لكي تتمكّن قوات الاحتلال من الالتفاف على بغداد.
* هل تقصد مسألة شيعة وسنّة؟ يعني هل تقصد ان أهل العراق من الشيعة في تلك الأماكن الدينية قد تواطؤوا مع ايران؟
ـ ليست عندنا طائفية في العراق. وحتى الذين جاؤوا من ايران وتربوا عندها فهم مستعرقون... حزب البعث، نصفه من شيعة العراق. أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة توفي بالمعتقل... طه محي الدين معروفي، نائب الرئيس هو شيعي، غير أننا لا نأبه في العراق بهذه التصنيفات... المجتمع العراقي تربطه علاقات أسرية متشعبة، لا يمكن ان تطلق نعتا قوميا او مذهبيا على عائلة برمتها...
أما بالنسبة لإيران فلها جذور في العراق ولها نفوذ في عديد الدول. المسألة الطائفية لا تثار في العراق الا بإيعاز او تدخل ايراني... إثارة الفتنة الطائفية في عراق محتل، لا يمكن الا ان تخدم ايران والاحتلال معا... والجميع في العراق يعلم حقيقة تفجير مرقدي «الهادي» و»العسكري» في سامراء...
ما يحدث الآن في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي هو تواطؤ ايراني ـ أمريكي على حساب العراقي... الآن يجزّئون العراق ويقسّمونه باسم دستور طائفي، بحيث تصبح كل محافظة (ولاية) اقليما مستقبلا بذاته... هذه كارثة أكبر من التقسيم الطائفي.
* لنعد الى الوالد، كيف وقع أسره، وهل كان متهاونا في اتخاذ الاحتياطات اللازمة؟
ـ أُسر أبي قبل السيد الرئيس بشهرين تقريبا، كانت المكافأة للقبض عليه مغرية جدا... لضعاف النفوس طبعا... وقد عمل الحصار عمله طوال 13 سنة.. في الناس وفي نفسياتهم... كان الوالد في الموصل، كما ذكرت آنفا... انقطع الاتصال بينه وبين السيد الرئيس ولكن توصل الى خيط يوصله الى (الرئيس صدّام حسين) لكن حدث ان استشهد عدي وقصي، فانقطع الخيط الرابط... وتم أسر والدي... ولم يتمكن من رؤية الرئيس الا وهما في قاعة ما يسمى بـ»المحكمة».
* كيف تمت عملية الأسر، وكيف لم تُؤسر معه؟
ـ لم أكن معه لحظتها... أسر والدي كما السيد الرئيس عن طريق خيانة... عرضت على السائق الخاص مبالغ هامة، دلّ «البشمركه» عليه وهم سلّموه للأمريكان.
* علمنا من خلال مداخلة له ان طه ياسين رمضان تعرض للتعذيب الشديد؟
ـ لقد تعرض الى تعذيب استثنائي... كنت في بغداد عندما أسر أبي... طلب مني ان أتفقد العائلة والاهل... وللعلم فإن عائلتي أسر منها الكثير، وقد أفرجوا عن عماتي مثلا وبقية العائلة والأقارب، حال أسره... كان الاحتلال يعتقل الاهل والعائلة حتى يضغطوا على المسؤولين المطلوبين منه ليسلموا أنفسهم.. السائق الذي وشى بوالدي للبشمركه ودلهم عليه قبض أكثر من 100 ألف دولار... كان من عناصر الحماية الذين عملوا مع الوالد لسنوات... الأمريكيون لا يمكن ان يصلوا الى القيادات الا عن طريق خيانة فهم لا يعرفون والدي والدليل انه في احدى المرات ولما كان يمتطي سيارة أجرة وأخضعها الأمريكان للتفتيش في نقطة معينة، أنزل والدي وكان يرتدي اللباس العربي فلم يتعرفوا عليه!
نفس الشيء حدث مع قصي وعدي، صاحب البيت هو الذي وشى بهما... لكنهم أحسوا بالأمريكان قادمين، فاستبسلوا في الدفاع ولكن قتلوهم بعد مقاومة طويلة استمرت لست ساعات... كذلك بالنسبة للسيد الرئيس فقد أعلم والدي في «المحكمة» كيف تمت عملية القبض عليه... فلما أنهى صدّام الغداء، طلب من مرافقيه ان يتركوه لمدة ربع ساعة ثم يعودون اليه... يقول صدّام لطه ياسين رمضان، انه ذهب للنوم، ربع ساعة وطلب منهم إيقاظه... بعد ربع ساعة «ولم أصح الا وأنا بين أيدي الأمريكان»...
* وموضوع الحفرة؟
ـ موضوع غير صحيح... انه فبركة اعلامية، قصد الاساءة الى شخص الرئيس... كان صدّام مقيما في بيت يشرف على نهر بين تكريت والدور... ذاك النهر الذي عبره الرئيس سباحة... هذه هي القصة الحقيقية للقبض على أبي وعلى صدّام.
ثم حدثني أحمد طه ياسين رمضان عن رباطة جأش الاسير رغم التعذيب فقد زارته زوجته «أم أحمد» مرتين في المعتقل ووجدته يقول الابن، كما انتظرت ان تراه بمعنويات عالية وتمسك بالثوابت.
ولكن عن السبب المباشر للتعذيب الذي طال طه ياسين رمضان قال محدثي إن الأسباب الرئيسية تتمحور حول المقاومة وكان سؤال المخابرات المركزية الأمريكية، وهي جهة التحقيق مع والدي هو : كيف تقدمون الدعم للمقاومة الفلسطينية، وعن طريق من؟ ومن هم الوسطاء؟
ثم يواصل محدّّثي كشف أسئلة التحقيق أثناء تعذيب والده في المعتقل من قبل الاحتلال الامريكي ومنها: أين مكان الرئيس (صدّام حسين)؟
قال احمد: كانوا يضربون والدي حتى عجز عن المشي من كثرة التورم والتعذيب طبعا والدي لم يكن يعلم مكان الرئيس وليس له ان يعلم في تلك الظروف... لقد رآه آخر مرة قبيل التاسع من نيسان ليعيد رؤيته في «المحكمة».
التقى الرفيقان بعد ثلاثة أشهر من أسر طه ياسين رمضان، وكان الامريكان يسمحون له أن يرى الرئيس في القاعة.
* ماذا قال لك الوالد قبل اعدامه؟
ـ قبل اعدامه بقليل، اتصل بنا الوالد، وكنا في اليمن (بصنعاء)... كانت معنوياته عالية جدا. كان الدكتور قاسم سلام (عضو القيادة القومية) يجلس الى جانبي، حيث قال لي الوالد وأعادها على مسامع أمي والدكتور سلاّم: «أنا سعيد بهذه النهاية»... الشيء الذي جعل الدكتور سلام يقول: كأني كنت معه (طه ياسين رمضان) في اجتماع حزبي... نفس الموقف نفس الشدة في المبادئ... رباطة جأش»...
عندما تحدثت معه عبر الهاتف، قبيل اعدامه شجعني حتى أواصل معه الحديث قلت له ان شاء الله يا والدي تكون من الشهداء. أوصاني بعائلتي خيرا، وقال لي ما إن ينتهي كل شيء (الاحتلال) تعود العائلة الى العراق... الى الوطن، ثم أوصاني بالثبات على المبادئ... وطلب مني أن أؤدي له فريضة الحج بحكم انه «معتمر» فقط. كانت لحظات فارقة، ارتبكت حيث أبدى صلابة لم يكن مهتما الا بالوطن وتحرير الوطن...
* ماذا كان يقول عن المقاومة؟
ـ المقاومة تسري في دمه... كان بعد الاحتلال يتحرك كأنه في مقتبل العمر... الأمريكيون حاولوا ان يعقدوا معه صفقة مثله مثل بقية القيادة.. لكنهم خابوا واستبسل المناضلون... كان والدي يُنعت من الآخرين «دينامو» حزب البعث. والدي قوي ونزيه، لم يتخل عن مبادئه رغم التعذيب... لقد حاول الامريكان مساومته لكن لم يكن لهم ذلك...
وهنا انتقد احمد طه ياسين رمضان بشدة الموقف الايراني ناعتا الحكومة الحالية بالموالية له، قائلا: الأمريكان أدخلوا الايرانيين الى البلد ودليل كلامي أن أول حكومة بعد الاحتلال هي حكومة موالية تماما لإيران والايرانيون حافظوا على الوجود الامريكي في العراق... لولا ايران لما استطاع الامريكيون البقاء الى هذه اللحظة...
* هذا آخر سؤال، والحقيقة بحكم التصاقك بوالدك رحمه الله، سأطلب منك حقيقة ما تعرفه عن سلطان هاشم وزير الدفاع، فهو بنظري يتعرض الى حملة أمريكية مغرضة عندما يدعي الأمريكان انه تعاون معهم؟
ـ والدي التقى سلطان هاشم في الموصل... هو من القياديين البارزين قائد مشهود له بالنزاهة والمبدئية قائد عسكري حقيقي... وما يقوله الامريكان في أنه تعاون معهم هو من باب التشويه.. ولأنه رفض ان يتعاون معهم، أعادوه الى المعتقل.. الامريكيون والايرانيون لا يغفرون للرجل استبسال القوات المسلحة والجيش العراقي... ضدهما... صحيح ان سلطان هاشم سلم نفسه، ولكن هناك العديد من القيادات فعلت ذلك، لأنه لو كان بيد حكومة الاحتلال لقتلوا بلا محاكمات.. حتى وان كانت محاكمات غير شرعية مثل تلك التي نصبت للقيادة. أنا أنزه الوزير سلطان هاشم...
ودعت محدثي وكان الشريط الماضي لا يفارقني وكانت كلمات ابن الشهيد طه ياسين رمضان لا تزال ترافقني وهو يتحدث عن شفافية القيادة وكيف كان صدّام يمنع أبناء المسؤولين منعا باتا من ان يعملوا بالتجارة... وخاصة «عهد» النفط مقابل الغذاء.
..................................................
الخليج العربي - الشروق