يُظهر الرئيس نادر الذهبي, قدرا كبيرا من الديناميكية, ولا اظن ان ذلك يحدث في اطار الاستعراض المعهود للايام الاولى في الحكم. انما هو, على الارجح, طبع في الرجل.وعلى رغم كل ملاحظاتنا على تشكيلة النخبة السياسية الجديدة, فإننا نأمل ان تسهم ديناميكية الذهبي وجديته في استعادة الاعتبار لموقع رئيس الوزراء في نظامنا السياسي وقد اصبح ذلك هدفا في حد ذاته, بالنظر الى ما عاناه هذا الموقع من تراجع على المستوى الموضوعي بسبب ضغوط مراكز القوى, وعلى المستوى الذاتي بسبب ضعف الاداء.
غير انه لدينا الكثير من المخاوف ازاء ديناميكية الذهبي, اذ نخشى ان تكون تلك صفة حميدة ل¯ "كبير موظفين" بارع, اكثر منها اتجاها لاستعادة مكانة الدوار الرابع, كذلك, نخشى ان تكون تفعيلا واستعجالا واستكمالا نشطا لمشروع الليبرالية الجديدة.
وأريد, هنا, ان اعطي مثالا: لقد راجع الرئيس الذهبي 12 ملفا لمشاريع استثمارية كانت تواجه عقبات, واتصل بأصحابها يطمئنهم ويحثهم على المضي بها, واعدا إياهم بتقديم التسهيلات اللازمة. وهذا نشاط كثيف وجرأة في اتخاذ القرار. لكننا لا نعرف اذا كان ذلك يخدم الاقتصاد الوطني أم لا. فليس كل استثمار - كما علمتنا التجربة - مفيدا, بل ربما يكون ضارا بالنسبة لمصالح الدولة والخزينة والمجتمع. فهل كانت العقبات التي وضعتها حكومة الدكتور معروف البخيت امام تلك المشاريع, مجرد عقبات ادارية وناجمة عن البطء في الاداء .. أم انها كانت تتعلق بالحفاظ على مصالح الدولة?
هذا سؤال مطروح بقوة. فلم يعد الرأي العام يأبه لمجرد وجود استثمارات جديدة, بعد التجارب القاسية لاستثمارات تنعمت بالتسهيلات ثم تبين انها غير مولدة لفرص العمل او تراكم الخبرات المحلية او انها كمبرادورية بالكامل تستنزف الثروة الوطنية ولا تضيف اليها.
لا نعرف الاجابة على السؤال المطروح. ولعله من المفيد ان يوضح الرئيس خطوته تلك في بيان صحافي, وما المانع ان يكون هناك بيان صحافي يومي يوضح نشاطات الرئيس, ليس على مستوى "استقبل وودع .." ولكن للاعلان عن النشاطات الجوهرية وتوضيحها وتفسيرها. فديناميكية الرئيس تتطلب ديناميكية اعلامية موازية وفعالة وشفافة على ان لا تكون ترويجية.
الديناميكية, بحد ذاتها, هي اداة في خدمة سياسة, وليس سياسة. وباعتقادي فإن ما يعيد الى موقع رئاسة الوزراء هيبته هو وضوح واستقلال سياساته, بالاضافة الى حيويته ونشاطه.
لقد كتبت مرة انني أؤيد تباطؤ الجهاز الاداري وضعف ديناميكيته كوسيلة لابطاء التحولات الليبرالية الجديدة ولقد كنت على خصومة حادة مع الرئيس عبدالكريم الكباريتي, على رغم انه كان من أكفأ من سكن الدوار الرابع. فقد كانت كفاءته وحساسيته السياسية وذكاؤه, وراء تأسيس حقبة الليبرالية في البلاد.
سوف يدلي الرئيس الذهبي ببيان وزاري لنيل الثقة, لكن البيانات الوزارية لا تعكس نهج الرئيس عادة, بينما ما نزال حائرين إزاء نهج الذهبي. احسبه, كما اتوقع, من الليبراليين ولكن هناك ثقاة من عارفيه, يؤكدون لي انه ابن بلد وذو ميول وطنية واجتماعية, ولكن الممارسات السياسية الواضحة هي التي من شأنها ان تحكم عليه: الرؤية الوطنية والاستقلالية والشفافية وهيبة الدوار الرابع وقطع الطريق على المداخلات غير الدستورية على صاحب الدولة.
نقول ذلك, بينما لا شيء يدعم هذه الآمال في تشكيلة الحكومة او البرلمان او باقي المناصب السياسية.