قضية التجنيس في الأردن أصبحت حساسة وتمس عصب النظام السياسي
أطلق نشطاء اجتمعوا في "خلوة"على ضفاف البحر الميت يوم الجمعة الماضي ما سمّوه إئتلافا من "أجل تحقيق المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بالجنسية بهدف المطالبة بمنح الجنسية الاردنية لعائلات الأردنيات المتزوجات من أجانب"، وهي دعوات مستمرة بشراسة منذ عدة سنوات تحاول الاتكاء على المواثيق الدولية وحقوق الانسان من أجل المطالبة بمنح الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب.
وهي دعوات لا يمكن الاختلاف على جوهرها الحقوقي الانساني، لكن شكلها سياسي بامتياز، ومن سوء حظ أخواتنا الأردنيات أن مطلبهن يلتقي مع واقع وظروف سياسية محددة تصب كلها في خدمة أجندة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتخفيف الضغط عنه ، حتى يدفع الشعبان الأردني والفلسطيني تكاليف الاحتلال البغيض.
للأسف إن مَنْ يرفع شعار هذه الحملة يمتلك مخزونا من العبارات الجاهزة التي تتهم الطرف الآخر بأنه ضد المواطنة المتساوية، وضد النساء وحقوقهن، وبعضهم يصل به الأمر إلى التأشير إلى وجود تمييز متعمد ضد فئة محددة من الأردنيين، وهذا كله غير صحيح ؛ فالقضية المطروحة ليست معاداة حقوق المرأة التي تكفلها المواثيق الدولية ورفض مساواتها بشريكها الرجل، بل هي قضية مرتبطة بحالة عامة تخص الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض وقائعه على الأرض ويريد تنفيذ مخطط الوطن البديل.
وقد حاولت الجهات المشاركة في الائتلاف ومن يدعمه من مؤسسات التمويل الأجنبية وغيرها من الضغط سابقا باتجاه إجراء تعديل دستوري يضيف كلمة "الجنس" في المادة السادسة من الدستور الأردني لتصبح " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم وإن اختلفوا في العرق أواللغة أو الدين أو الجنس" وهنا وقع الصدام المباشر مع الشرع الإسلامي الذي لا يبيح ذلك ، وبالذات في قضية الإرث.
ويحاول أصحاب الحملة أن يروِّجوا بأن مطالبهم بالتجنيس لا تتعدى بضعة آلاف من أبناء الأردنيات وأن الأمر لا يتعلق إلاّ بعدد قليل جدا من الفلسطينيين وأن أغلب الحديث يدور عن أبناء أردنيات من آباء مصريين أو لبنانيين أوعراقيين أو مغاربة أو باكستانيين وغيرهم، وهو كلام مخالف للواقع حيث أن الإحصاءات الرسمية الصادرة عن دائرة قاضي القضاة تقول إن 2281 أردنية تزوجن عام 2011 من جنسيات عربية، فما بالك إذا ضرب هذا الرقم في عشرات السنين ؟
ويشير التقرير المنشور في الصحف المحلية بتاريخ 16 أيلول الماضي إلى أن الأزواج من الجنسية الفلسطينية يشكلون العدد الأكبر من حالات زواج الأردنيات من الجنسيات العربية بعدد 1368 زوجًا ، وهذا يشكل 60 بالمئة من الزيجات السنوية ، يتبعهم الأزواج من الجنسية اللبنانية بعدد 247، فالمصريون 223 والسوريون 155 ثم العراقيون 113.
إن حساسية موضوع التجنيس في الأردن نابعة من كون أغلبية النساء المطالبات بجنسية لأبنائهن متزوجات من مواطنين فلسطينيين أغلبهم يحملون صفة اللاجئ ، وهذه الاشكالية أطلقت هاجسين رئيسيين: الأول ؛ منح الجنسية لأبناء الفلسطيني ، خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي واعتداء على حق العودة المقدس الذي نطالب به وإعطاء أبناء الفلسطيني الجنسية الأردنية تفريغ للأرض المحتلة من أهلها وهي رسالة سيئة للعالم بأن الأردن يقبل بفكرة الوطن البديل وينفذها على الأرض وليست هناك مصلحة للأردن أو فلسطين المحتلة.
والهاجس الثاني؛ قضية التجنيس في الأردن أصبحت حساسة وتمس عصب النظام السياسي كونها تؤثر في التوازن الديمغرافي القائم الذي هو أهم عناصر الأمن والاستقرار والهوية الوطنية.
وإذا كان من نوايا حسنة لأصحاب هذه الدعوات ، فإن الأمر يجب أن لا يتعدى المطالبة بتعديل قانون الإقامة وشؤون الأجانب ، بحيث تتم معاملة زوج وأبناء الأردنية معاملة الأردني، وتسهيل أمورهم الحياتية لا أكثر. وهذا أمر يمكن تفهمه . أما الجنسية فهي قضية سياسية أكبر من المطالبين فيها.
n.ghishan@alarabalyawm.net
العرب اليوم