أيام وسيجدد التاريخ نفسه مع حكومة برلمانية منتظرة .. الحكومة البرلمانية الاولى تشكلت عام 56 حين كانت الناس تعيش على ( كرامتها ) وكانت ( الحشمة ) بينهم تضيع من كثرة الرجال ، ومواقف الرجال ، وصدق الرجال .. والاهم من كل ذلك ان الناس في ذلك الوقت كان اكبر همهم فرز ( الزلام ) لا فرز( الاراضي ) والاسكانات ..
على مواقفهم .. وعلى كرامتهم .. وعلى وطنيتهم .. وعلى نقاوة ضمائرهم .. نعيش نحن جيل اليوم فالعقود الاخيرة لم تحمل لنا سوى ( الهم ) و( الغم ) ولازلنا نستذكر تلك المواقف في كل يوم لنشعر على الاقل بعزة النفس ..
عندما قالوا: ان نفس الرجال يحيي الرجال .. صدقوا بذلك فقد تبين لنا فعلا : ان نفس الفاسد يحيي الفاسد .. ونفس الشلة يحيي الشلة .. ونفس الخصخصة يحيي اللصلصة .. وهناك فرق بين النفس الطاهر الذي لا يشتم من رائحة الوطن سوى رائحة التراب والوجع والاهات .. وبين النفس النتن الذي لايشتم من رائحة الوطن سوى رائحة عقد الصفقات ونسب العمولات .
في 56 كان الاردنيون على موعد مع الموقف الوطني الصادق .. فقد فاز الحزب الوطني الاشتراكي بعدد من المقاعد النيابية تؤهله لتشكيل اول واخر حكومة برلمانية في تاريخ الاردن ..
كان يرأس الحزب في ذلك الوقت سليمان النابلسي ولم يحالفه الحظ في الانتخابات فتم تكليف عبدالحليم النمر الحمود الذي فاز بالانتخابات بتشكيل الحكومة ..
عبدالحليم النمرعند ابلاغه بتشكيل ( الحكومة ) لم يلهث مسرعا لاختيار الوزراء .. ولم ( يرتجف ) من لقب ( الدولة ) فالرجال هم من يصنعون ( الدولة ) .. ولم تزوغ عينيه فرحا بمشاهدة ( الكرسي ) بل غض الطرف ولم يره ..
عبدالحليم النمر .. اختار الشعب والوطن والموقف .. اختار الصدق والكفاح والنضال .. اختار ان يكون جنديا وحزبيا وقوميا .. اختار ان يكون سليمان النابلسي رئيسا للحكومة احتراما للوطن واحتراما للتاريخ واحتراما للنضال المشترك ..
مات سليمان النابلسي .. ومات عبدالحليم النمر .. ومات اغلب رفاق النضال .. ولم يمت الموقف بعد .. ولم تمت الكرامة بعد .. ولم تمت الوطنية بعد .. ولم تمت القومية بعد .. فالتاريخ لازال يذكر ويذكر انهم من خيرة الخيرة الذين اخلصوا للوطن ..
جاءت القوائم الوطنية في انتخابات ( 2013 ) لتخلف سليمان النابلسي وعبدالحليم النمر .. فمات الاثنان مرة اخرى بعد ان تزعم القوائم اصحاب ( الملايين ) لا اصحاب ( المواقف ) ..
في ( 56 ) تنازل عبدالحليم النمرعن منصب رئاسة الحكومة .. في ( 2013 ) بقص ايدي اذا في واحد منهم على استعداد ان يتنازل عن منصب رئيس (قسم ) او ( رقم ) في ترتيب قائمته !!
لم يبق في الاردن أي شيء نتعكز عليه سوى هذا التاريخ وكلما سرق الوطن منّا استرجعناه عنوة بالتاريخ المشرف لهؤلاء ..
لدينا الكثير من المحطات المضيئة منذ نشأة الدولة الاردنية ولازالت تلك المحطات هي من تنير لنا درب المستقبل بعد ان أطفأ ( الصلعان ) و( الديجتال ) نور المستقبل علينا مبكرا ..
كانت لدينا مجالس نيابية ( مشرفة ) .. زورنا الانتخابات فأصبحت مجالس( مزيفة )
كانت لدينا مؤسسات ومقدرات بنيت من كد وعرق الاردنيين .. باعوها وأصبحت مؤسسات الوطن ومقدراته تبنى من كد وعرق المستثمرين ..
كانت لدينا حكومة برلمانية من رجال السياسة والفكر .. سيصبح لدينا حكومة برلمانية من رجال ( البزنس ) ومعلمي ( الطراشة ) !!
في بلدنا .. نرى التاريخ .. ولانرى المستقبل .. فمن هو صاحب الفضل الذي يريدنا عميان لا نرى شيئا ؟!
s.arabeyat@alarabalyawm.net
العرب اليوم