ما قاله رئيس نادي القضاة في مصر احمد الزند في حوار تلفزيوني وبعد تعرضه لمحاولة اعتداء يفتح جراحا على امتداد العالم العربي وهي جراح بليغة لم تندمل يوما، لكن الخجل منها حولها الى عورات، قال ارجوكم لا تقارنوا بين ما يحدث هنا وما يحدث هناك في اي مكان اخر، لا تقولوا ان القضاء الامريكي كذا والقضاء الفرنسي كذا، فالمحاكم تخلو من دورات مياه مما يدفع القضاة الى معاناة طيلة ساعات العمل، ومرتب القاضي في امريكا يعادل رواتب المشتغلين في محكمة هنا، ومن يموتون من القضاة في حوادث السير يفضح موتهم المجاني ظروف عملهم وحياتهم.
لا تقارنوا بين ما يحدث هنا وما يجري هناك، وبدوري استأذن الاستاذ الزند لاقول له.. ليس القضاة فقط، المعلمون ايضا واساتذة الجامعات والكتاب، فالمقارنات يا سيدي القاضي تشمل هؤلاء ايضا. رغم ان ما يليق بهذه الظاهرة هو المباعدات والمفارقات ولا شيء اخر.
انها ليست عقدة النقص الشرقية، ولا هي عقدة الخواجا كما يسمونها في مصر، بل هي الحقيقة. منذ قارن طه حسين قبل ستين عاما بين اغنيائنا واغنيائهم وفاته ان يضيف فصلا يقارن فيه ايضا بين فقرائنا وفقرائهم واغبيائنا واغبيائهم، واذكيائنا واذكيائهم، فالبون كارثي وليس كبيرا فقط، لان ما يتبدد على الارصفة من مواهب اطفالنا مأساة قومية، وما ننفقه من الوقت والجهد للدفاع عن حقنا في ان نقول واحدا بالالف من الحقيقة يكفي لانشاء عشر جامعات، اما الحرية الممنوحة للكاتب العربي فهي كما قال الراحل د. يوسف ادريس لا تكفي كاتبا واحدا وانا اضيف اليه. انها لا تكفي مقالة واحدة. وليت في عواصم اوروبا عشوائيات ومقابر يقيم فيها ملايين البشر لنقارن ايضا بين عشوائياتنا وعشوائياتهم.
الشيء الوحيد الذي يمكن مقارنته هو العمارات والابراج والمولات والثياب والسيارات ذلك لسبب واحد انها جميعها من منجزاتهم.
لكن من هم هؤلاء الذين نقارن بهم؟ كي لا تصبح واو الجماعة كما وصفها سارتر هاجس المجانين الذين يتحدثون عن اخرين لا يعرفونهم ولا يرونهم ايضا.
ان تقارير التنمية والانيميا تعفنيا من المقارنات. فكم جامعة عربية من هذه المئات وربما الالاف تحتل حيزا في قائمة الجامعات الافضل في العالم؟ وكم سريرا لكل مليون مريض في هذا العالم العربي الذي اصبحت اقانيم حياته ثالوث المرض والامية والفقر؟
دعونا من المقارنات فهي توجع القلب وقد تبعث على الاسى واليأس معا، ذلك لان من كانوا الاغنى صاروا الافقر ومن كانوا الاكثر صاروا الاقل، ومن كانوا المركز صاروا الهامش.
فبأية خيمياء او عبقرية تحققت هذه المعجزات السلبية؟ وكيف قصف الشجر اغصانه، وطرد النهر ماءه وتصحر العقل والتراب معا؟
قبل ان يستنكر القاضي الزند هذه المقارنات بزمن ليس بالقصير زار المثقف الفرنسي ريجيه دوبريه بعض العواصم العربية فكان اول ما لاحظه تحول المكتبات الى حوانيت تبيع القرطاسية والاكسسوارات، وتحول واجهات الصيدليات الى معارض للهدايا وادوات التجميل اما الدواء فهو اخر ما تهتم به هذه التجارة.
حين نسافر ونرى ما نرى ونسمع ما نسمع نندم لاننا سافرنا، فالجهل نعمة والوعي نقمة، ومن لا يدري يستطيع ان يبتلع طعامه بسهولة وان ينام باستغراق وبلا كوابيس.
فهل تكفون ايها السادة عن المقارنات؟ وشكرا للقاضي الذي لم يسلم من الاعتداء!!
الدستور