الشعب لا يريد تحرير فلسطين
سمير حجاوي
06-01-2013 04:32 AM
لم يتوقع الكثيرون ان تتمكن حركة فتح من حشد هذا العدد الضخم في غزة للاحتفال بذكرى انطلاقتها ، وكان ما حدث مفاجأة كبرى من العيار الثقيل، فقد اثبت هذه الحركة انها لا تزال تحتفظ بزخم كبير في الشارع الفلسطيني.
اتصلت هاتفيا ببعض اصدقائي الصحفيين في غزة لتفسير ما يحدث، وكيف تسنى لفتح ان تحشد اكثر من نصف مليون فلسطيني في جغرافيا يحكمها "الخصم اللدود والنقيض السياسي والإيديولوجي" الممثل بحركة حماس، فكان القاسم المتشرك بينهم ان هذه الجماهير خرجت للتعبير عن حنقها من حكم حماس ومن اخطائها وتفردها وانفرادها بإدارة القطاع.
الحشود "المليونية" تعبيرعن "حالة الاستقطاب" بين قطبين كبيرين فتح وحلفائها من جهة وحماس وحلفائها من جهة اخرى، وهو استقطاب بين مشروعين متناقضين يمثلهما تنظيمين لا وجود "للفرد الفلسطيني المستقل" بينهما وهما تياران متخاصمان ايديولوجيا وعقائديا وسياسيا واستراتيجيا، هذا اذا افترضنا اصلا ان هناك استراتيجية لاي منها في ظل غياب "مشروع وطني فلسطيني حقيقي"، ولهذا فان خروج نصف مليون غزاوي لتأييد فتح يعني رفض مشروع حماس المقاوم والمسلح وقبول بمشروع التسوية الذي يعبر عنه محمود عباس وسلام فياض.
قد لا يكون هذا الوصف دقيقا تماما وقد يكون مبالغا فيه، وقد يكون خروج هذه الحشود مجرد غضب على سنوات حكم حماس، واعتقاد اهل غزة ان حكم حماس ادى الى اطالة امد الحصار، وان الغزاويين يريدون العيش مثل الضفة الغربية التي لا تتعرض للحصار والقصف والقتل اليومي، وهذا يعني اننا اما "سيكولوجيا فلسطينية جديدة تقول: كفى للقتال والنضال والجهاد والتضحية، ونعم للحلول السلمية".
ربما يكون هذا الحشد المليوني في غزة يعبر عن "تعب الغزاويين من القتال وحدهم" في حين يتفرج باقي الفلسطينيين عليهم كما حدث في العدوان الاسرائيلي عام 2008 و-2009 وعدوان 2012، وقد يكون ذلك تعبيرا حقيقيا عن "ان لا فائدة من القتال لتحرير فلسطين" وبالتالي دعم مشروع "عباس- فياض" للتسوية بعيدا "عن الارهاب الفلسطيني والصواريخ العبثية والعمليات الحقيرة في المدن الاسرائيلية على حد وصف ابو مازن رئيس دولة فلسطين"، وبالتالي فهي تعبير عن وجود انقسام "فلسطيني شعبي وشعوري كبير" بين تيارين وتوجهين مختلفين تماما.
هناك مقاربتان لهذه الحشود النصف المليونية، احدها تقول ان نصف الشعب الفلسطيني في غزة يوافق على مشروع تسوية يقضي " بالتنازل عن حق العودة"، كما يطرح ابو مازن، والاكتفاء بالوجود الفلسطيني للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وان يبقى باقي الفلسطينيين في الشتات، وهناك مقاربة اخرى تقول ان النصف الثاني من الشعب الفلسطيني يؤيد حماس وخطها الجهادي وتحرير فلسطين من البحر الى النهر، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وعلى ما اعتقد انها المرة الاولى التي يصل فيها الانقسام الفلسطيني الشعبي الى هذه الحدة، وهو انقسام على الثوابت الوطنية الفلسطينية يضع نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين التاريخية خارج الدائرة تماما للمرة الاولى منذ احتلال فلسطين.
الحالة الفلسطينة مأزومة تماما، فلا مشروع وطني فلسطيني في الافق، والصراع في الضفة الغربية وقطاع غزة بين صار بين تنظيمين ولم يعد صراعا كليا مع الاحتلال، والانقسام الفلسطيني - الفلسطيني انقسام افقي وعمودي، وانقسام شعوري وفئوي ومناطقي، وانقسام بين غزة والضفة، وانقسام بين فلسطيني الداخل وفلسطيني الخارج، وانقسام بين قياديتن وتوجهين وسياستين متناقضتين، مما يعني سيادة حالة من التشظي والشرذمة وعدم الاتفاق حتى على الحد الادني من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وحقه في تحرير ارضه وعودة اللاجئين الفلسطينيين.
هذه الحشود الكبيرة المؤيدة لفتح يؤيدها حشود مماثلة مؤيدة لحركة حماس، اي اننا امام حالة فلسطينية تعاني من "تعادل ستاتيكي" لا غلبة فيه لطرف على طرف، اما القوى الفلسطينية الاخرى فهي قوى هامشية لا تؤثر كثيرا على المشهد بشكل عام سواء كانت مؤيدة لفتح او حماس.
واذا اضفنا الى العوامل الداخلية الفلسطينية تأثيرات العوامل العربية والإقليمية والدولية على المشهد الفلسطيني فان فتح تتمتع بدعم الغرب وقوى عربية دولية كثيرة، فيما تتمتع حماس بدعم قوى اقليمية وعربية قليلة فان هذا يضيف بعدا اخر من لحالة الانقسام والاستقطاب الفلسطيني ويزيد من تعقيدها.
اعتقد ان "الحالة الفلسطينية" دخلت نفق "اللامشروع الوطني الفلسطيني" الجامع، مما سيؤدي الى تدمير تطلعات الشعب الفلسطيني بالكامل، فالضفة يلتهمها الاستيطان، وغزة تحت الحصار، والفلسطينيون في فلسطين 48 خارج المعادلة، والفلسطينيون في لبنان يعشيون في "معازل بشرية" وربعهم يعانون من الامية، والفلسطينيون في سوريا والعراق بين فكي كماشة، والفلسطينيون في الاردن يواجهون هجمة كبيرة تريد ان تحولهم الى "كتلة بشرية" والفلسطينيون في الخليج يعيشون هاجس التسفير بعد الترانسفير، والفلسطينيون في العالم خارج الرؤية.
للأسف الوضع الفلسطيني رديء جدا ومتخلف جدا ومنقسم جدا، ولاول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث يكون الفلسطينيون بلا مشروع وطني جامع، ويتحولون الى "حالة سياسية" ويضيعون بين التنظيمات المتصارعة ومصالح الدول المختلفة.
ربما كان اخطر ما عبرت عنه حشود غزة المليونية المؤيدة لفتح انها اعلنت شعار "نصف الشعب يريد ان يعيش ولا يريد ان يحرر فلسطين".. اشعر بالقلق لانني احس للمرة الاولى في حياتي ان نصف الشعب الفلسطيني يريد ان "يتقاعد"، ويقبل الامر الواقع كما هو، يقبل بالاعتراف "بدولة اسرائيل اليهودية مقابل العيش" بل ويرسل، وهذه هي اخطر مرحلة في التاريخ الفلسطيني منذ ضياع فلسطين، فمن اوصل الشعب الفلسطيني الى هذه الحالة الخطيرة من اليأس؟ ومن دفعه للقبول ضمنا بشعار "العيش مقابل الاحتلال"؟ وتنازل حتى عن شعار "الارض مقابل السلام"، فنصف الشعب الفلسطيني يريد الآن "بعض الارض مقابل السلامة".
hijjawis@yahoo.com