الفزعة بمفهومها النقي والجميل وإنسانيتها أمرٌ جميل تعكِسُ شهامةَ و سخاءَ الفرد و تُمثل خصلة ايجابية وشعور بأن الدنيا بخير، وهي مفهوم إنساني نبيل لو استخدمناه كما هو في معناه الأصلي في التقاليد العربية القديمة حيث يعني حصرا مد يد العون والمساعدة لأسباب إنسانية بحتة، لمن يحتاجها كنصرة المظلوم وإعانة المحتاج ورد الحقوق، وردع الظالم عن ظلمه وإسداء النصيحة في وضح النهار وأمام أعين الناس لما لهذا النوع من الفزعات من اثر ايجابي في النفوس، وإصلاح للمجتمع،
والفزعة كما نعلم أيضا هي نجدة يهب بها من يستطيع لمن يحتاجها دون توان أو تردد كي تستقيم عجلة الحياة بعيدا عن الظلم والمحاباة واكل الحقوق ونهب الأموال ونصرة الظالم،
لكن هذا المفهوم عندما ينحرف عن مقصده، ليصبح قاعدة في حياتنا تحت عنوان " أبشر بالفزعة" ياابن العم، أو ابن العشيرة، أو المنطقة أو .. ويتعدى إلى إلغاء الآخر وعدم محاورته، فانه لا يصبح فزعة أبدا، يصبح ضربا من المناداة بالجاهلية الجهلاء، والعصبية البغيضة العمياء التي عجزت عن استنهاض الهمم وشحذها والانخراط في بحث القضايا المهمة ذات الأولوية في مجتمعنا وسبل إيجاد حلول لها،
أبشر بالفزعة، مفهوم عجز عبر السنوات في المجتمع الأردني عن إيجاد التواصل والحوار والنقاش والتعبير عن الآراء في مجتمع ديمقراطي متنوع، كما عجز عن تقديم حلول توافقية يمضي بها أبناء المجتمع الأردني يدا بيد نحو المستقبل، وسد الطرق على المبدعين من ابناء المجتمع وسمح للمفسدين أن يهلكوا الحرث والنسل،
عندك فزعة تصبح وزيرا أنت وابنك، ورئيس وزراء، عندك فزعة تصبح نائبا، إذا كان لك فزعة يحجز مكانك في المجلس القادم والحكومة القادمة، وإذا لم تكن أنت فيكون ابنك !!! إذا عندك فزعة تصلك الماء والكهرباء ويعبّد لك الشارع ويسمى باسمك أيضا، تصبح بطلا اجتماعيا وسياسيا ، فزعتك توصلك إلى أعلى المراتب وتحظى بأعلى الرتب،
لكن "أبشر بالفزعة" في الأردن مفهوم أثبت عجزه وفشله عبر السنين عن التعامل مع المتغيرات، والمستجدات في عالم متغير يرفض التقاليد البدائية البالية التي تتمحور حول التطرف والشر والتي لا تنهي الخصومات بين الناس بل تجرهم نحو الويلات والحروب وتنزلق بهم نحو ثقافة واحدة منغلقة لا تصغي إلى أحد، ثقافة غارقة في محليتها، متشبثة بماضويتها ونماذجها، تتضخم فيها الأنا غير الواقعية، الأمر الذي يضيق حلقة الانغلاق على الذات، ونبذ أو رفض الثقافات الأخرى،فانتشر الفساد وعم البلاد والعباد.
يجب أن نخرج من عجزنا وقصورنا لنتحول إلى مشاركين في صناعة مستقبلنا بصورة غنية وخلاقة رافضين الحمولات الزائدة من الأطر المرجعية والفزعات التي منعتنا من استثمار طاقاتنا على الخلق والتحول، بقدر ما حملتنا على أن لا نعترف بثقافة الآخر وقدرته والتعلم منه،
يجب أن نجعل موضوع الفزعة في مجتمعنا، موضوعا للفهم والتحليل على اعتبار أنها واسطة للخلق والإبداع يجتمع حولها أبناء المجتمع، ومعبر إلى مجتمع فاضل تسوده الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجتمع أبناؤه على قيم الانفتاح والتعاون والمنفعة المتبادلة والمساواة واحترام الآخر وثقافة الغير واحترام الخصوصيات.
ولعل بقاء الحال الفزعوي بمفهومه الحالي يقود إلى بيئة فاسدة من جديد تخلو من قيم الفزعة الحقيقية كمفهوم إنساني نبيل، تجعلنا عاجزين عن مواجهة التحديات الكبيرة التي نواجهها ، والتغلب على الصعاب وتجاوز التحديات. ولعل القيم الفزعوية التي يجب أن تسود وتتغلب في المرحلة القادمة هي القيم السامية النبيلة هي التي يجب أن تربط بين الناس في كل زمان ومكان في مجتمعنا الأردني بعيدا عن دعوى الجاهلية المقيتة وعصبيتها البغيضة ، وأن الفزعة الحقيقية في حملاتنا الانتخابية هي المتمثلة بصرخة أردنية حرة، تستجيبُ بفاعليَّةٍ لمستقبل ناهضٍ تتغيَّرُ معالمُه بسواعد وعقول أبنائه الاحرارعلى اختلاف منابتهم وأصولهم، ولعل اتسام الفزعة هذه بالمُرونة، يجعلها َ قادرةٍ على توفيرِ الأُطُرِ والمنهجيّاتِ والطُّرق المناسبة لمواجهة التّحدّياتِ الجديدة. وتضعنا أمام أنفسنا في عملية تغيير حقيقية بما تعنيه من إصغاء متبادل لبعضنا البعض ومشاركة في صناعة مستقبل وطننا الواعد.