•وصول الحل السياسي في سوريا الى طريق مسدود قد يرشح الأزمة الى التوسع اقليمياً في عدة اتجاهات.
أخطر ما يواجه الدول المحاذية لسوريا, هو اتخاذ الصراع في سوريا منحىً طائفياً و تسيُد جبهة النصرة –المحظورة دولياً- لمشهد المقاومة في سوريا. لذلك, فان احتمالية انتقال نموذج الصراع الأهلي المغذى طائفياً في المنطقة أصبحت عالية جداً, خصوصاُ اذا ما توقفنا عند الترابطات الاقليمية المتداخلة سواء على صعيد الانتماءات الطائفية المشتركة بين أبناء المنطقة أو على صعيد الانتماءات الجغرافية لأعضاء جبهة النصرة و التي ترشح انتقال هذا النموذج الى البلدان الأصلية التي ينتمي لها أعضاء هذا التنظيم.
منذ البداية كان من الواضح أن اختطاف المطالب المشروعة للشعب السوري و تحويلها الى أداة تستغلها دول أقليمية و فئات معروفة, ستعمل على تفجير المنطقة أمنياً, و تجهيز المناخ الملائم لاحداث تصدعات طائفية و جغرافية تستغل لاعادة رسم كثير من المناطق وفقاً لمنطق التقسيم و التفتيت, بحجة عدم قدرة هذه الشعوب و الطوائف على التعايش. لهذا فان توسيع رقع الصراع في المنطقة قد يصبح حتمياً مع استمرارية تغذية ثقافة الكراهية و رفض الآخر. و بالتالي فان هذا النموذج يتحول ليصبح نموذجاً صالحاً لكل دول المنطقة دون استثناء, و التي قد تكتشف في لحظة معينة عدم قدرتها على التعايش بعد الآن, من العراق الى اليمن, فسوريا و لبنان و الأردن و مصر الخ. الملفت للنظر أن أغلب المحللين و الدبلوماسيين و السياسيين الغربيين, يقاربون ما تمر به المنطقة بالنموذج اليوغسلافي, و الذي اقتضى تقسيم يوغسلافيا الى دويلات في نهاية الصراعات الطاحنة بين الهويات و الأعراق و الطوائف المختلفة.
التحولات السياسية الاقليمية الجديدة, عملت ضمنياً على اعادة رسم موقع الأردن السياسي. فسياسة ارضاء الجميع التي انتهجها الأردن منذ اليوم الأول للأزمة في سوريا, وضعته تلقائياً اليوم في خانة العداء مع الدول الاقليمية المتورطة في تغذية الصراع في سوريا. و بالتالي فان تحديات الأردن الداخلية, تعاظمت على الصعيدين السياسي و الأمني. حيث يتعرض النظام السياسي في الأردن الى ضغوطات سياسية كبيرة قد يصعب عليه التعامل معها لاحقاً في ظل وضع داخلي محتقن سياسياً و عدم القدرة- الى الآن- على خلق حالة سياسية صحية في الداخل الأردني قادرة على ضبط المزاج الشعبي و تنقية صورة النظام السياسي من كثير من الشوائب التي علقت فيه في السنوات الأخيرة.
اما على الصعيد الأمني, فلا يمكن التغاضي عن الحقيقة القائلة بأن كثيرا من قادة و مقاتلي جبهة النصرة هم أصلاً أردنيون, منظمون على الساحة الأردنية و مرتبطون بأجندة اقليمية, دفعت بالكثير منهم للخروج من الأردن و التوجه اليوم الى سوريا و سابقاً الى العراق و لبنان و دول أخرى عديدة. و بالتالي فان التعامل مع هذاالملف الشائك لاحقاً, قد يكون واحداً من أكبر التحديات الأمنية التي ستواجهها الدولة الأردنية, وهنا لا يمكن أغفال كثير من التقارير التي تشير الى نشاط جهاز المخابرات الاسرائيلي الموساد في بعض العواصم العربية و منها عمان لتغذية المواجهات المسلحة في سوريا و لبنان. لهذا, فالخطر الأكبر في هذه المرحلة يتمثل بفكرة الانتقال الى خلق النقاط الساخنة, و المواجهة المسلحة, التي يتم اللجوء اليها عادةً بعد تعذر نجاح نموذج الثورة السلمية, او الانتقال السياسي غير الدموي, كما في بعض نماذج الثورات الأخيرة في العالم العربي.
لبنان هو الآخر قد يكون على موعد مع هذا النوع من المواجهة, خلق حالة من الصراع الشيعي السني في الداخل اللبناني على أمل توريط حزب الله داخلياً و عزله عن محيطه, قد يكون شكل من أشكال الصراع الذي يتم تغذيته في المنطقة. التحضيرات القائمة في طرابلس و صيدا و التي يتم حشد عناصر كبيرة من التيارات السلفية و تسليحها, تشير انها لم تأت من فراغ, و انها تهدف الى ضرب الساحة الداخلية اللبنانية و تهيأتها هي الأخرى لنموذج الفصل الطائفي, و التخلص من حزب الله بعد تعذر القضاء عليه ضمن سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة. العراق هو الآخر على موعد مع امتحان من هذا الطراز, تفجير المنطقة الغربية من العراق تحت مسمى التقسيم الطائفي, و انشاء امارة الأنبار السنية المستقلة هو خطر حقيقي تواجهه المنطقة برمتها, ذاك ان نجاح هذا السيناريو يعني تهيئة الاقليم برمته لتقبل أشكال متعددة من شاكلة هذه التقسيمات. لهذا, فان الثقل الأردني السياسي لابد أن ينصب على ابطال مثل هذا المشروع و الذي يعد كارثياً أيضاً على الأردن مستقبلاً. لهذا, فان الأردن معني تماماً بلعب دور ديناميكي من أجل ابطال هذا المشروع و استثماره استراتيجياً من أجل المصلحة الأردنية العليا, و ذلك عن طريق استثمار مخزون الارتباطات الأردنية العميقة مع منطقة الأنبار و شيوخها و عشائرها.