كثيرة هي الروايات والقصص، التي بتنا نسمعها ونراها، تتحدث عن أمور هي مصنفّة في عالم اللامعقول. وعديدة هي الممارسات التي أصبحت روائحها تزكم الأنوف ، وتصيب الأمعاء بالمغص، والنفس بالغثيان، والقلب بالوجع. إذ أن هناك من ينفق الألوف من الدنانير على كماليات لا تعكس إلا القرف، ولا تدل إلا على أحد أمرين؛ إما أن من يقوم بذلك هو "عَيَيّ" يجب الحجر عليه، وإما أنه مسرف يجب الأخذ على يده، خاصة وأن ما يقوم به هو دليل على أنه أحد شخصين أيضا، فإما أن يكون"وارثا" لم يتعب " بالقرش"، وإما أن يكون "سارقا" أو "فاسداُ"، استولى على أموال الناس بغير وجه حق، عندها يجب أن تطبق عليه عقوبة قطع اليد، وأن لا تأخذنا به لومة لائم.
فهل من المعقول أن نجد بعض البيوت، التي لم تكن تجد عشاء ليلتها، فجأة وقد شَرِقت كراجاتها بسيارتها، حتى بات أحدهم يقول (وهذه واقعة) " إنني أختار السيارة على لون البدلة التي ألبسها". أو تقول سيدة المجتمع (زوجته)، التي لم تكن تجد ثوبا ثانيا تبدل به ثوبها، إنها تركب السيارة التي تتماشى مع لون حذائها.
وهل من المعقول أن نرى أحدهم( وارثاً أم سارقا، أم متاجرا بأرواح البشر، أم فاسدا، أم حديث نعمة)، وقد أولم للعشرين بما يكفي للمئة، فقط ليقال إنه قد "قدم" مائدة مذهلة، وبالتالي يُلقي بكل الفائض في القمامة، دون خوف من الله أو خشية من الناس.
وكثيرون هم الذين لا يستطيعون أن يقضوا صيفهم أو شيئا منه، إلا وقد حجزوا مقاعد الدرجة الأولى في الطائرات، وسكنوا الفنادق ذوات النجوم الخمس، وأسرفوا و " بعزقوا" دون وعي، فقط لأنهم إما "سارقون" وأما " فاسدون" وإما "وارثون" . وهؤلاء كلهم يلتقون على قِبْلَةٍ واحدة يصلّون فيها للشيطان ويعبدونه.
وآخر ما سمعت، والله على ما أقول شهيد، من أحد الأصدقاء الذين أصلا لا يعرفون كيف يجّملون رواياتهم، ولا يعرفون التلفيق أو الكذب على الناس. هو إنسان يسكن ضواحي عمان، مع أنه قادر على أن يملك قصرا في العاصمة، وهو يقضي إجازاته إما في أماكن يروّح بها عن نفسه بكل وسائل الترويح المعقولة والمشروعة، وإما في أطراف عمان حيث يزور أهله ويصل رحمه، وهو يعرف من الناس "بعدد شعر رأسه"، وهم أناس على مستوى عالي ورفيع، ومع ذلك إن أولم لهم فإنما يخاف الله ويضع بين عينيه " إن المسرفين إخوان الشياطين". حدثني هذا الرجل، وهو غير مُصِدق لما سيرويه، حتى أنه استحلفني بالله أن لا أنعته بالكذب، لأنه هو نفسه لا يصدق الرواية التي سيرويها. قال لي " إن أحد جيرانه في المنطقة قد أرسل أحد حرّاس" منزله إلى بيتي ، ونادى عليّ، وقال بالحرف الواحد. إن "معلمي" يرجوك أن تسمح لنا أن نأخذ كلب الحراسة الذي عندك لمدة ساعة ليحضر عيد ميلاد "كلب" "معلمي " . ويضيف الرجل وهو مذهول وكأنما يسمع الرواية لتوّه، "فنكشت" آذاني لأنني لم أصدق ما قال، وأعدت عليه السؤال، فأعاد علي الجواب" فانطلقت إلى مربض الكلب، وفككت حبله من مربطه، وأسلمته إلى "الحارس"، وقلت له " وأنا لا أزال تحت حول الصدمة، دعني أذهب إلى السوق لاشتري هدية يقدمها كلبي "لكلب" "معلمك" وكنت بالفعل قد فكرت أن اشتري له سلة من ورد أو سلة من عظام، لكني خشيت أن اختار الورد غير المناسب، أو أن يكون كلب المعلم " لا يأكل إلا أجود أنواع الطعام المستورد خصيصا للكلاب، والتي لا يطالها كثير من الناس"
أخذ الحارس الكلب، وبعد أكثر من ساعة ونصف أعاده، وقد لاحظت أن كلبي قد أصبح نظيفاً جداً، فسألت الحارس، فقال فعلا لقد "حممناه". كما لاحظت أن هناك سلسلة فاخرة في عنق كلبي. فسألت الحارس عنها فقال "هي هدايا وزّعناها على ثلاثة عشر كلباً كانت مدعوة لحضور عيد ميلاد "فيكي". وهذا هو اسم كلب "جارنا".
أليس هذا كفراً بالنعمة، أليس هذا إسرافا، يستحق صاحبه ليس قطع اليد، ولكن قطع اليد والرجل والعنق، لان اليد قد سرقت، وإن الرجل قد مشت بالحرام ،وأن العنق، قد ارتكبت الخطيئة .
وتركت صاحبنا، وهو ينظر بذهول إلى كلبه، ويخاطبه أيها الكلب المبجّل، هل لك أن تأخذ ابني... معك في السنة القادمة ليحضر عيد ميلاد فيكي ؟ وهل بالإمكان أن نذهب كلنا معك السنة القادمة بحجة أننا نخاف عليك لنحضر عيد ميلاد فيكي القادم، وأنا مستعد أن أحضر معي مئة طفل جائع مستعدين لأن يأكلوا من طعام "الكلاب"؟
هل من المعقول أننا قد وصلنا إلى هذا الحد الدّوني من السقوط، في هذا الزمن الرديء، الزمن الذي تآكلت فيه القيم والمثل والمبادئ والأخلاق! الزمن الذي بلغ الأمر فيه بالفقير أن يزداد فقرا، والذي يملك أن يزداد جشعا وتعديا على حق خلق الله، وأصبح الأول غير قادر على أن يستوعب أنه جدير بالحياة أو يستحقها أو حتى قادرٌ عليها. وأصبح الثاني مملؤا بنوازع الكفر بنعم الله، وقد تملكته دوافع التردي والانحدار، وهنا قامت مئات من مستنقعات العفن. وهنا، أيضا، وجب علينا أن نأخذ على أيدي المسرفين، وهذا شرع الله. إذ أن لا يجد أحدنا قوت يومه، في الوقت الذي يقيم فيه ابن......حفلة عيد ميلادٍ لكلب ينفق فيها ( حسب رواية الحارس) أكثر من ألف دينار.
أنا لا أدري إلى الآن من هو ابن ......،الكلب أم صاحبه.