حديث يطول حول أسعار الصوت الانتخابي، وبورصة شراء الأصوات في نشاط متزايد. وثمة من يقول إن ثمن "الصوت" بلغ 100 دينار للناخب في إحدى دوائر العاصمة، في حين بلغ متوسط السعر 40 دينارا للناخب في المحافظات. وآخرون يؤكدون أن الهدايا العينية، من حرامات ومدافئ وأغذية، تنتشر في كثير من جيوب الفقر.
كل هذه الممارسات ولم نسمع عن حالة ضبط وتجريم واحدة لمثل هذه المسلكيات التي تهدد بضرب شرعية مجلس النواب المقبل؛ فكل الكلام والشكاوى لا تعني شيئا، ولم تكفِ لاتخاذ إجراء واحد يردع المرشحين عن ارتكاب مثل هذه الجرائم!
ما لم تدركه الدولة هو أنها المتضرر الأكبر من ترك الحبل على الغارب لهكذا ممارسات، وسط محاولات متكررة لاستعادة جزء من الثقة المفقودة، منكرة أن السماح بتسلل المال السياسي إلى جيوب ضعاف النفوس من الناخبين يجهض كل مساعي إعادة ترميم جسور الثقة.
ثمة من يرى أن التعاون والتهاون مع المرشحين في هذا الجانب سيؤدي إلى زيادة نسبة المشاركة في العملية الانتخابية، وهو التحدي الأكبر لمؤسسات الدولة اليوم. لكن أصحاب هذه النظرية أسقطوا عنصرا أهم، وهو شرعية مجلس النواب المقبل، في حال استمر التغاضي عن معاقبة من يأتون بهذا الفعل المشين.
الفاضح وغير المقبول هو أنّ تعاطي الجهات المعنية مع المسألة، في حال وردت شكاوى بهذا الخصوص، يقتصر على طلب أدلة تدين المشتكى عليهم، وفي هذا تعجيز؛ فمهمة جمع البراهين والأدلة ليست منوطة بمواطنين أدركوا خطر المال الانتخابي المسمم أكثر من حكومات تجاهلت المسألة، غير مدركة (وربما العكس) بأنها تضع مصداقيتها على المحك.
تناست الأجهزة المعنية أن لدينا آلاف المراقبين، من جهات محلية وأجنبية، ممن سيضعون ملاحظاتهم حول العملية الانتخابية في تقارير لاحقة، وأن هذه الجهات، وفي ظل غياب المعارضة عن الانتخابات، تعتبر المال السياسي أهم القضايا التي يلزم التركيز عليها، كونه أحد أهم أشكال انتهاك حرمة العملية الانتخابية.
المسؤولية عن محاربة أموال شراء الذمم والأصوات لا تقف عند حدود الهيئة المستقلة للانتخاب، التي يتوقف دورها عند إصدار التعليمات الخاصة بهذا المجال، وتقديم الشكاوى كما حصل مع عضو مجلس النواب السابق يحيى السعود، بل هي مسؤولية تشمل مختلف مؤسسات الدولة.
الرهان الرسمي لعبور المرحلة الصعبة والمصيرية ينصبّ على الانتخابات. والتحدي ليس سهلا، وبحاجة إلى صون الشرعية وتكافؤ الفرص في الوصول إلى قبة البرلمان. أما أن يُترك الباب مفتوحا لبلوغ بعض الراشين إلى القبة بدون شرعية، ففي ذلك تزوير لإرادة الناخبين، ولن يعود بالخير على أحد.
الفرصة ما تزال مواتية لوضع حد لمرشحين يسعون إلى السلطة بدفع المال، فمن يشتري الأصوات اليوم، ليس مؤتمنا على مصائر الناس ومصالح الأردنيين غدا. ومثل هذا النوع من النواب لن يسهم في استعادة هيبة المجلس النيابي، ولن يساعد الدولة في تجاوز أزمتها.
بعض الشرفاء ممن قرروا خوض الانتخابات رغم الأجواء التي سبقتها، يُظلَمون اليوم، ويواجهون منافسة غير شريفة، ولا حول ولا قوة لهم، وهم يعلمون أن مال شراء الأصوات سيحرمهم من فرصهم في المنافسة. وهؤلاء لن يسكتوا، بل سيقدّمون "يوم الحساب" كل البراهين التي تؤكد صحة نظريتهم.
دعونا لا ننسى اليوم التالي للانتخابات، والسيناريوهات التي يخبئها بين ثناياه. علينا أن لا نقدم أسبابا إضافية للطعن في شرعية الانتخابات، حتى لا تُغلق النوافذ ويجد البلد نفسه في مأزق يتسع، لا يقدر أحد على مجابهته.
الأردن هو الخاسر الأكبر من غضّ الطرف عن سماسرة الأصوات وسادتهم. وتوفُر الإرادة كفيل بمحاربتهم بدون انتظار براهين تقدم من ناخبين لا حول لهم ولا قوة.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد