مسلسل جرائم شراء الأصوات!
حسن الشوبكي
01-01-2013 06:14 AM
لا يتسللون خفية بعد مغيب الشمس، بل يتحركون تحت ضوء النهار وعلى مسمع ومرأى المواطنين والأجهزة المعنية. كانوا في "انتخابات" سابقة يلوذون بضعاف النفوس، ويستثمرون فقرهم وعوزهم ليبدأوا مسلسل مقايضة لا ينتهي إلا بانتهاء الانتخابات؛ تارة يكون ثمن الصوت 10 دنانير، ثم يرتفع إلى عشرين، وفي لحظة الحقيقة يوم الاقتراع قد يصل إلى خمسين دينارا. أما اليوم، فالأمر جلي، ولا يوجد من يؤرق صفو هؤلاء الوسطاء وهم يقومون بجرائمهم ضد الأردنيين وكرامتهم وأخلاقهم، فضلا عن كونها جرائم اقتصادية، لكن التجريم وحده لم ينه هذه الظاهرة الخطيرة.
من ينكر جرائم شراء الأصوات متواطئ، ووجودها حقيقة وواقع مرير، وانتشارها يطال معظم المحافظات الأردنية، إن لم يكن كلها. وهي خليط من قناعات تراكمت بأن المرشح لن يصل إلى البرلمان إلا إذا قام بشراء أصوات ناخبيه. ويستمر الأمر على منوال رديء عبر بورصة لشراء الضمائر بأسعار مختلفة، يجرمها القانون، لكن العقوبة لم تردع أحدا في السابق، وأحسب أنها لن تفعل في المستقبل القريب؛ فثمة تكرار للمشهد برمته، بما في ذلك مظاهره وجرائمه الاقتصادية.
المشكلة لا تتركز فقط في من يشتري ويبيع. ورغم أنها جريمة بالمعنى القانوني، إلا أن المقلق في الأمر هو الجانب القيمي الذي يغيب عن كثيرين بيننا. ففي المحافظات، وكذلك في عمان، يتحدث الناس عمن يتاجر بأصواتهم ويلعب بضمائرهم بشكل لا توبيخ أو تجريم فيه؛ فالمسألة باتت عادية تمر مرور الكرام، إذ يتسامر بعض الأردنيين في سهراتهم بأن المرشح الفلاني دفع في منطقة كذا 15 ألف دينار، وسبقه إلى ذات المنطقة مرشح أقوى دفع 20 ألفا.. وهكذا، وكأن انتهاك كرامات الناس أمر سهل!
هي إذن قناعة لدى المرشح بأنه لن يفوز إلا إذا اشترى الأصوات، يقابلها إذعان من نسبة غير قليلة من الناخبين بضرورة بيع أصواتهم، وبين الطرفين وسطاء وسماسرة وقانون لا يردع أو لا يطبق. فمجلس النواب المنحل كان يضم عددا كبيرا ممن وصل إلى سدة التشريع والرقابة عبر جريمة شراء الأصوات، ولم يعاقب أي منهم. وثمة ما هو أخطر، وهو التواطؤ المجتمعي، والسكوت على الجريمة باعتبارها قضاء وقدرا، وأن علينا الصمت حيالها حتى تنتهي معمعة الانتخابات! وفي ظني أن أكثر ما يؤذي الاقتصاد -أي اقتصاد في العالم- هو مواصلة مثل هذه الجرائم التي تمس السمعة والسلوك البشري، وتعبر عن حال فاسدة. والمؤذي بحق أن النسبة الغالبة من مرشحي الانتخابات المقبلة ليسوا ساسة أو حزبيين، بل هم ممن ينضوون تحت مسمى "رجال الأعمال" أو التجار أو المقتدرين ماليا، بشكل يسمح لهذه الجريمة بالاتساع وسط تراخي جميع الأطراف في مواجهتها.
الإصلاح عموما، والاقتصادي منه خاصة، لا يكون إلا بالقضاء على هذه الجريمة التي تمر أمام عيوننا ونحن ندفن رؤوسنا في الرمال خوفا من مواجهة مجرم يعبث بضمائر الناس، وينتهك حرمة المجتمع، ويمارس ابتزاز الرجال والنساء داخل بيوتهم؛ وإلا فعن أي اصلاح اقتصادي وشفافية ومساءلة ومحاسبة نتحدث؟ وما الفرق بين المجلس المنحل والمجلس المرتقب؟ وما المعنى أن ندفع إلى سدة التشريع والرقابة بمجرمين -كما يسميهم القانون- اشتروا أصوات نفر من الأردنيين؟
الهيئة المستقلة للانتخاب تطالب المرشحين بالإفصاح عن مصادر تمويل حملاتهم، وهذا جيد. لكننا نريد أن نرى مجرما واحدا فقط ممن اشترى ذمما، يقبع خلف القضبان!
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد