" الربيع العربي" يتحول إلى هشيم تذروه رياح الخماسين
اسعد العزوني
31-12-2012 05:32 PM
... وهكذا تحول "الربيع العربي"- الذي كان أملا ننتظره منذ عقود، لنخرج بواسطته من ذلنا وخنوعنا للأجنبي، ونبني وطنا واحدا موحدا نغلفه بضمير الـ"نحن" بعد أن نشطب من قواعد لغتنا الجميلة ضمير الـ"أنا" – تحول إلى هشيم تذروه رياح الخماسين.
أستطيع القول انه كان أقصر فصل "ربيع"، حتى إننا لم نرَ تزهيره ولم نتمتع بزهوره ولا بشذى عطرها المتمثل بالوحدة والحرية والديمقراطية والعزة، لأن رياح الخماسين هبّت عليه فجأة وحولت زهوره وينعانه إلى هشيم وباتت تذروه كيفما إتفق.
تحولت الفرحة التي غمرت نفوسنا بالخلاص من أول وكيل لإسرائيل في شمال أفريقيا وهو الهارب "بزي منقبة" زين الدين بن علي، تحولت إلى حسرة على أمننا المنتهك في ساحات الربيع العربي وبيوتنا وحاضرنا ومستقبلنا وطموح أبنائنا وآمالهم وأمانيهم.
كل ذلك لم يأت هكذا صدفة، بل جاء لسببين رئيسيين هما جهل القائمين على الحراك ونواياهم ولؤم المستهدفين بالحراك ونواياهم أيضا، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم وجود معارضات حقيقية في الوطن العربي.
وأعني بالمعارضات الحقيقية الفعاليات السياسية الاجتماعية والاقتصادية وما جرى التشبيك معه من قوى أمنية وشرطية وعسكرية ،وأن تكون هناك برامج مدروسة لهذه المعارضات ،مع خارطة طريق واضحة للتغيير والتحول والطرق المتفق عليها لإنجاز ذلك مع البدائل لحالات الفشل.
ما حدث منذ البدايات كان تحولا عشوائيا غير مدروس أنجزه الشهيد التونسي محمد البوعزيزي من قرية بو زيد .لكن ما إن هبت النيران في البيدر العربي المؤهل لذلك، حتى تم اختطاف المسار وتوجيه الدفة إلى حيث وجهة أعداء الأمة، فرأينا خلع مبارك يتحدد في شخصه فقط والناتو يتدخل في ليبيا بينما اليمن تركت لجنون علي عبد الله صالح وها هي سوريا تشتعل والمجتمع الدولي يتفرج.
لو كانت هناك معارضات حقيقية في الوطن العربي لما وصل الحال بنا إلى ما نحن فيه وعليه ،ولتمكنا من تغيير واقعنا بأقل الخسائر ،لكن مسميات المعارضة العربية قسمان الأول مدجن داخليا،والثاني يستظل بالمظلة الصهيو –أمريكية وكلاهما حسب علم المنطق لا يندرجان تحت بند المعارضة.
كنا نأمل من هذا الربيع ان يزهر نوارا عربيا ليثمر ثمرا عربيا نحن بحاجة إليه، لكن ما حصل أن هذا الربيع أينع زهورا صهيو –أمريكية، فها هم من آلت إليهم الأمور في تونس يوفدون زعيمهم الروحي الشيخ الغنوشي إلى الإيباك في واشنطن ليقول ان تونس لا تعادي إسرائيل، كما أن ثوار ليبيا قد شبكوا مع إسرائيل مبكرا، والرئيس المصري د.محمد مرسي يغازل بيريز في رسالة حملت من الحميمية التي لم تحملها رسائل المخلوع مبارك، ناهيك عن تصريحات لبعض قادة المعارضة في سوريا وفي مقدمتهم العادي يصرح بانهم سيرفعون العلم الإسرائيلي فوق دمشق إن عاجلا او آجلا؟!
هل يصدق عاقل أن أهم أيقونات ثوراتنا وموجهيها هو الفيلسوف اليهودي الفرنسي بيرنارد ليفي؟ وهل يعقل أن تقف امريكا مع هذه الثورات وهي تعلم علم اليقين أن العرب يبحثون عن حريتهم ولا يريدون أن يبقوا تحت الهيمنة الأمريكية؟
ما جنيناه حتى اليوم من الربيع العربي هو تعميق منطق الثارات وسياسة الإقصاء والتهميش وفتوى "نكاح الوداع"؟!!!والتشبيك الصريح مع إسرائيل كل ذلك جرى على أيدي أصحاب الإسلام السياسي الذين تسلموا الحكم هنا وهناك ،مع اننا نتمنى الحكم الإسلامي على نهج الخلفاء وما بعدهم من الفاتحين.
جرى ما جرى وهان نحن ننام ونصحو على القتل والخراب والدم والذبح والتهجير، وكأن الله سبحانه وتعالى يعاقبنا على عدم القيام بتحرير فلسطين ،فكتب علينا التهجير والبؤس والإذلال؟!
ما يمكن قوله لألنظمة التي تنتظر القدر الأمريكي، هو ما قاله احد الخلفاء لواليه الذي إشتكى له من عدم الإستقرار في ولايته"داو جرحك لا يتسع" بمعنى أن هناك فرصة لتعديل المسار من خلال إحقاق الحق وتطبيق الدستور المقر وتحقيق المواطنة.
أما رسالتنا للشعوب العربية فهي :صفقتم كثيرا حتى غرس الحاكم الظالم انيابه في اجسادكم.
نؤمن أن التغيير للأفضل ضرورة لكن هذا التغيير يحققه رجال نفتقدهم.