تأخرت في التعليق على زيارة رئيس الوزراء العراقي نور الدين المالكي الى الأردن مؤخرا , لسببين , الأول هو متابعة نتائج الزيارة وهي بإعتقادي أهم كثيرا من الزيارة ذاتها , أما الثاني , فهو رصد كل التحليلات ببعدها السياسي والإقتصادي .
بالرغم مما صاحب الزيارة من قراءات متباينة تناولت الأهداف السياسية التي جعلت من الزيارة ضرورة سواء ما يتعلق بالملف السوري , او ما يتعلق بالخلافات السياسية في داخل العراق , كان ثمة مصلحة في إلتقاط الزيارة كمحطة , يجري تحويل أهدافها مهما كانت الى بداية لتشبيك إقتصادي , يعود بالعراق تدريجيا الى سابق عهده , سوقا إستراتيجيا وعمقا إقتصاديا للأردن , لتكتمل معه منظومة العلاقات الأردنية الخليجية العميقة , فما كان ينقصها هو البوابة العراقية .
لم تكن العلاقة الأردنية العراقية في أفضل حالاتها قبل زيارة رئيس وزراء العراق الأخيرة الى عمان , ولا يمكن الإدعاء بأنها ستكون كذلك بعد الزيارة , إذ سيحتاج البلدان الى جهود مضاعفة لصياغة تفاهمات إقتصادية جديدة , تحيد قدر ما أمكن تباين وجهات النظر في القضايا السياسية .
ثمة مصلحة إقتصادية تراها بغداد في علاقات إيجابية مع عمان , التي تعتبر العراق عمقا إستراتيجيا , وسوقا كبيرا تتوفر فيه حلول موضوعية لإختناقات إقتصادية بعيدا عن الأهداف غير المعلنة , وهي الأهداف التي صاحبت الزيارة تحليلات وإجتهادات عديدة حولها .
التشابك الإقتصادي هو الأهم , وقد كانت السوق العراقية الهدف الأول للصادرات الأردنية , وكان العراق المصدر الأول للنفط .
التشابك الإقتصادي حتمية لم تتغير بتبدل النظام في بغداد , بل على العكس ثمة فرص حقيقية وواقعية أكثر من تلك التي كانت تتوفر فيما مضى , فالسوق العراقية لم تعد سوقا منغلقة والإقتصاد العراقي بات إقصادا حرا بعدما تخلى عن نمطه الإشتراكي , وهو ما يتناغم تماما مع طريقة وأسلوب إدارة إقتصاد المملكة .
العلاقات التجارية لم تتوقف , لكنها إستمرت فردية تقوم على إجتهادات ومبادرات ينقصها مظلة حكومية أو أهلية , الى أن إلتقطت مجموعة من رجال الأعمال , الرسالة , لتبدأ زيارة الى العراق تؤطر لعمل مؤسسي ينظم العلاقات مع القطاع الخاص العراقي الذي بدأ يمسك في قيادة الدفة , وهي الزيارة التي وصفها باسم خليل السالم رئيس مجلس إدارة كابيتال بنك الذي قاد الزيارة , بفاتحة لأفق ممتد من الفرص خصوصا وأنها جاءت قبل وقت قصير على زيارة رئيس وزراء العراق للأردن , مثل هذه المبادرة هي يد واحدة لن تصفق ما لم يتبعها غيرها لتشكل في مجموعها بداية لمأسسة تعاون يقتنص الفرص الجديدة وينقلها الى فضاء التنظيم .
الفرص التي قد يحظى بها رجال الأعمال والشركات الأردنية في السوق العراقية كبيرة ومتعددة , تماما بقدر ما تزدحم الساحة هناك بمشاريع كبيرة تنطوي على فرص عمل لخبراء ومتخصصين في مجالات الطاقة وإدارة المياه والصناعة .
في التوقعات يفترض أن تشكل زيارة المالكي إلى الأردن بملفاتها المختلفة دفعة حقيقية لعلاقات اقتصادية أقوى مما سبق خصوصا وأن كل الملفات الاقتصادية نوقشت بتفهم ووضوح كبيرين , وما بقي هو التنفيذ , وإحياء مذكرات تفاهم واتفاقيات معقودة , منذ وقت لكنها لم تحالف بإنجازات ملموسة .
الزيارة إنتهت لكن ما ينبغي أن يبدأ هو متابعة حثيثة لمشاريع مطروحة مثل أن يصبح الأردن مركزا لتكرير النفط العراقي وإعادة تصديره تماما مثل سنغافورة التي لا تملك نفطا لكنها أكبر مصدريه , وأن يصبح الأردن مركزا لصناعات عراقية تصديرية تستفيد من الموقع الإستراتيجي ومن ميناء العقبة , وأن يصبح الأردن مركزا ماليا لتخدمة صادرات وواردات العراق , ومركزا لوجستيا لنقل البضائع , هناك ما هو مطلوب من جانب الحكومة وهو كثير لكن ما هو أهم , هو تشبيك إقتصادي حقيقي من جانب القطاعين الخاص في الأردن والعراق .
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي