أخي المواطن الكل يريدك سحّيجا؛ فاحرص أن لا تكن
طلال الخطاطبة
30-12-2012 02:11 AM
لا بد من القفز عن تعريف الداعية الدكتور أمجد قورشه للسحيج. و بغض النظر ان كانت الكلمة بالسين أو بالصاد (صحّيج) فانا لا احبذ ذاك التعريف و لا أرتاح له أولاً و ثانيا أننا لو أمعنا النظر فيما نقول و فكررنا بالموضوع بشكل موضوعي لوجدنا أنفسنا جميعا سحيجة بمعايير الاطراف المقابلة . فمن لم يسحّج للحكومة سحّج لغيرها و آخر أنماط التسحيج هذه الايام تتجه لمصر الشقيقة الكبرى.
و بالعودة لموضوعنا و هو المواطن نجد أن المطلوب هو كفوفه ليسحج بها، أو صوته أو قلمه و لا باس بتعليق له هنا أو هناك عند كل الأطراف. و نجد أن حال المواطن أصبح كحال ابو الهنا بالمسلسل الشهير. فالكل بريده الى صفه مدعياً انه يعمل لمصلحة هذا المواطن الغلبان لوجه الله تعالى فقط.
فالحكومة بداية تتوقع من المواطن ان يقبل بأي قانون أو قوانين مهما كانت، و يسوّقها كذلك . و يا حبذا لو تم هذا دون نقاش، من باب العشم لأن الحكومة لها الولاية العامة و تمسك بخيوط مصالح جميع فئات الشعب كافة.
و الحراكات أيضا بأطيافها المتناقضة تريد كفيّ المواطن ليسحج لها أيضا، و يقبل بكل شعاراتها مرتفعة السقف أو منخفضته، و له أن يستعمل عقله طبعا باتجاه واحد فقط يؤدي بالنهاية أن يأتمر بأمرهم. و يا حبذا لو اراح عقله و قبل بما يقولونه لأنهم يريدون أن يريحوه من مهمة التفكير.
و من هذا الباب و خاصة بعد هبوب سموم الشراقي العربية (الربيع العربي) فقد توسعت دائرة الأوصياء على المواطن فكثرت أعداد الكتّاب و أصحاب المواقع و تضاعفت، و يبدو أنها مربحة جداً. و هم كذلك يريدون المواطن سحّيجا لهم، زائراً دائما لمواقعهم و بكل نقرة دخول الى مواقعهم تثبت لهم أنك ضليع بالسياسية و إن لم تفعل فإنك لا تفقه شيئا بالسياسة.
و إذا صادفت أحدهم على الفيس بوك فالمطلوب منك أن تضع (لايك) قبل أن تقرأ ما كتب لا فض فوه. و إذا قررت أن تعلق فيفضل أن تكون بمدحه و تهنئته بهذا الفتح العظيم عليه و بأنه أبدع و ما قصر و بأنه وضع النقاط على الحروف و لا باس ببعض البلاغة بأن تقول أصبت كبد الحقيقة. و إذا خالفته برأي يكون مصيرك الحذف من قائمته بعد أن تسمع عبارة ( هذه صفحتي و أنا حر أقول ما شئت فيها).
و من المفارقة أن كل من ذكرت من أمثلة يتباهون كثيرا بأمثلة من نوع الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، ليتضح أنه يفسدها؛ أو مقولة الرأي و الرأي الآخر ليتبن أنه لا رأي آخر؛ إنما هو رأيه هو فقط.
و الآن أصبح المواطن الهدف الغالي لأصحاب السعادة المترشحين للنيابة و منهم من جربناهم سابقاً ؛ فتراهم يخطبون ودهم يغرونهم بالوعود الكاذبة أحيانا و بالمال أحيانا أخرى، و هناك نوعية أخرى و هي الإحراج بأن يحلف على المصحف؛ فتكثر الزيارات و المجاملات وربما الهديا و الكل يدرك أنهم سيتحولون لغيرك و سيختفون بمجرد أن تدلي بصوتك، و ربما تعود ماشيا بعد ذلك.
لنتعلم أخي المواطن بأنك ستقف بين يدي الله تعالى و أنت تقف أمام صندوق الانتخابات و ستُسأل عن صوتك الذي اعطيت. فكن حريصا على إعطاء الأفضل حسب اجتهادك.
ختاماً، ما أردت تبرير هذه السلوكات و لكنها طبائع بعض البشر و يبدو أن بيننا و بين التغيير بوناً شاسعاً بوجود هؤلاء و أمثالهم. فالكل يسعى لأمر ما يطلبونه جميعاً، و في السياسة الميكافلية الحديثة كل شيء جائز. لكن المهم من هذا كله هو المواطن نفسه. يجب أن يكون قادرا على أن يقول "لا" لكل من يريده سحيجاً فقط و لا يقرر إلا ما يمليه عليه ضميره الوطني سواء كان ذلك بالانتخابات أو غيرها.
alkhatatbeh@hotmail.com