استعادة الثقة: مهمة كبيرة
جمانة غنيمات
29-12-2012 04:46 AM
أثار مقالي المنشور في عدد أول من أمس الخميس، تحت عنوان "الاقتصاد يتجاوز مرحلة الخطر"، ردود فعل متباينة، تراوحت بين مشكك ومقتنع بالتحليل؛ ما يجعل الجدل حول العنوان مستمرا.
وتجاوز الخطر لا يعني أبدا أن البلد دخل في بحبوحة اقتصادية، أو أن المشاكل التي يعاني منها المواطنون زالت، بل على العكس؛ تبدو أوضاع الناس أكثر تراجعا في ظل الارتفاع اللولبي لمعدلات التضخم عقب قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، الذي طال بالنتيجة مختلف السلع والخدمات.
والقول إن الاقتصاد تجاوز مرحلة الخطر مرتبط، بشكل رئيس، بانحسار مصادر تهديد الاستقرار النقدي للاقتصاد، وتراجع تأثيرها عقب التطورات الأخيرة التي شهدها ملفا المنح الخليجية والغاز المصري.
فشبح عودة سيناريو العام 1989 اختفى، الذي كانت تبعاته ستصيب الجميع بدون استثناء، تماما كما أن الانفراجة المحدودة تحمي الجميع، بدءا بأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وليس انتهاء بأصحاب المداخيل المتوسطة والمحدودة.
وتجاوز الخطر لا يعني بتاتاً زوال التحديات وتبخر المشاكل، لكنه أساس للبناء عليه، عبر البدء بالإصلاح الاقتصادي الحقيقي المعتمد رؤية متكاملة، وسياسات تنموية تمس حياة الناس وتنعكس عليها بشكل مباشر؛ وهذه المهمة أصعب وأكثر تعقيدا.
على المستوى الجزئي، يبقى تحسين أوضاع الناس مرتبطا بوضع رؤية توافقية حيال السياسات الحكومية المستقبلية، ومدى قدرتها على إحداث التنمية المطلوبة في المناطق الفقيرة داخل العاصمة وخارجها.
وثمة أدوات متاحة يمكن أن تسهم في تحقيق هذه الغاية. فصندوق تنمية المحافظات الذي أطلق قبل نحو عامين، مؤهل للعب دور كبير لو توفر له الدعم المطلوب، بحيث تُسخّر كل الإمكانيات بهدف زيادة الإنتاجية، لتشجيع إنشاء الاستثمارات في تلك المناطق التي تئن تحت الفقر، وتضيق الدنيا في عيون شبابها جراء البطالة.
المنح الخليجية يمكن أن تحقق ذات الهدف لولا أن الوضع المالي للحكومة اضطرها إلى توجيه هذه الأموال على النحو التالي: 60 % من أموال الصندوق الخليجي ستوجه لاستكمال مشاريع بنية تحتية وصيانة مشاريع مدرجة في الموازنة، فيما يوجه 40 % منها لتمويل مشاريع طاقة متجددة وسكك حديدية.
وتوجيه الأموال بشكل مدروس ومنتج غاية في الأهمية، وهو ورقة الحسم في إحداث التغيير المنشود، للتأسيس لمرحلة حقيقية في مجال تنمية المحافظات؛ إذ نكتشف اليوم، وبعد عدة سنوات من برامج التنمية المحلية، أن معظم محافظات المملكة لا تمتلك البنى التحتية لإقامة الاستثمارات فيها، ما يعيق وتيرة إنشاء مشاريع تنموية منتجة في هذه المناطق.
فمحافظات منها الطفيلة، وإربد، والكرك، والمفرق، وجرش، وعجلون، لا تتوفر فيها "هناجر" لإقامة مشروع واحد، أو مصنع جديد يسهم في تشغيل أبنائها. وهذه إحدى المشاكل التي تواجه القائمين على صندوق تنمية المحافظات اليوم، فإلى متى يتم العمل بدون تخطيط أو توجيه؟
غالبية الناس غير معنيين بأوضاع المالية العامة، رغم تأثيرها الكبير في حياتهم، خصوصا وأن 85 % من الإنفاق الحكومي هو إنفاق جار، يخصص جزء كبير منه للرواتب والتقاعد. فاهتمام العامة ينصب على المنافع المباشرة التي يحققونها من الاقتصاد، وبخاصة المداخيل الجيدة التي تضمن لهم عيشا كريما.
وتحقيق طموحات المجتمع ذو صلة وثيقة بالإصلاح الاقتصادي الداخلي، المرتبط بعوامل محلية، ركائزها معالجة تشوهات الموازنة في شقي الإيراد والإنفاق، ضمن رؤية متكاملة تقوم على إصلاح تشريعي أساسه الإصلاح الضريبي.
استعادة الثقة ممكن، وما الدور الذي يؤديه القائمون على السياسة المالية والنقدية إلا جزء مما هو مطلوب. والبناء على ما تحقق يحتاج إلى تسديد فواتير قيمتها عالية، لأن استعادة ثقة العامة بالاقتصاد، بحاجة إلى إصلاحات كثيرة تتجاوز قرارات رفع الأسعار.
التهشيم الذي أصاب علاقة الشارع بالحكومات كبير وبلا حدود، وإعادة ترميمها بحاجة إلى خطوات جديدة وفق رؤية متكاملة، تنزع فتيل عدم الثقة القائم حتى الآن.
(الغد)