مع سيد البلاد ورؤيته القادمة .. * د. محمد الفرجات
28-12-2012 07:02 PM
نعم هنالك فساد، وهنالك من تطاول على ثروات الوطن باسم النفوذ أو قوننة الفساد، وهنالك من أخذ أكثر مما يستحق، وهنالك من استغل الوظيفة العامة فأصبح صاحب ثروات وعقارات ومال، وهنالك مظاهر تبكي وتحزن المواطن البسيط لما يرى أنه يسعى ليلا نهارا ليؤمن لقمة العيش لأبناءه فلا يكاد يلحق تالي الشهر الا وهو مديون.
وبالمقابل وبالحقيقة يتمتع المواطن الاردني بخدمات يومية تستحق الشكر –فبالشكر تدوم النعم- حيث تقدم الحكومة الخدمات العامة والبلدية للمواطنين من بنية تحتية وفوقية كالطرق والجسور وتشغيل خدمات المياه والكهرباء والهاتف وشبكات المعلوماتية، وتعليم أساسي وجامعي ورعاية صحية وخدمات توعوية ودعم لقطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة، وتوفر الوظائف قدر الامكان للمواطنين من خلال ديوان الخدمة المدنية وذلك بالتوازي مع توفير الامن الداخلي والاستقرار من خلال الاجهزة الامنية المختلفة ورعاية القضاء بنزاهة وشفافية، بالاضافة الى تنظيم عمل قطاعات البنوك، وتوفير قطاعات هامة لادارة مصلحة المواطنين كدوائر الاراضي والضمان الاجتماعي والاحوال المدنية والمحاكم الشرعية وغيرها. كما وترعى الحكومة قطاعات النقل العام جويا وبريا وبحريا، وتوفر الرقابة على غذاء وقوت المواطن، وتنظم عملية الاستيراد والتصدير، وتقدم الحكومة الدعم للمواد التموينية الاساسية، وتدعم المشتقات النفطية وبالتالي ما يتعلق بصناعاتها التحويلية أو ما يدار بالطاقة النفطية، وما سبق مثال وليس على سبيل الحسر.
الا أنه قد حصل تغير مناخي متسارع الوتيرة في العقد الاخير على المستوى العالمي أدى الى قحط أو أعاصير أو فياضانات في كثير من دول العالم مما ادى الى تدني انتاجية الاراضي والحقول والمحاصيل في الوقت الذي يزداد فيه سكان العالم ويرتفع الطلب على تلك المنتجات سواءا محليا في دول الانتاج أو الدول المستورة، مما زاد سعر المواد التموينية بأشكالها ولفت انتباه العالم لدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالامن الغذائي. هذا وقد زاد بنفس الوقت الطلب العالمي على منتجات النفط في الوقت الذي يشهد العالم فيه ازمات سياسية غيبت بعض الدول المنتجة للنفط، مما رجح كفة أسعار النفط في معادلة العرض والطلب. كل ذلك أتى مع الازمة الاقتصادية العالمية والتي بدأت بافلاس بعض البنوك في أمريكا بعد تردي سوق العقار لديهم.
ولكن وفي ذات الوقت الذي يوجد فيه مطالبات من الكثيرين، ونتسائل أين كانوا في أوقات ذروات وطفرات اقتصادية نشطت فيها البورصة وسوق العقارات وتجارة الاراضي وقطاعات الاستيراد والتصدير وغيرها، وما الذي شغلهم آنذاك فيقوموا اليوم فجأة. وفي الفترة التي كنا نعيش فيها الرخاء الاقتصادي مثل الاعوام 2004 ولغاية 2008 ، تبطر الكثيرون، ونتج عن ذلك تغير في انماط الحياة الاجتماعية الاقتصادية والاستهلاكية، وبدت الكثير من مظاهر الترف والبطر والتبذير في بعض الاوساط، مما حدى بالكثيرين اللحاق بذلك الركب. فما معنى أن يحمل الطفل والمراهق الهاتف النقال وما تكلفة ذلك على رب الاسرة، وما معنى أن نبذر في كل عرس آلاف الكيلوات من اللحوم ونشعل أسعارها في السوق عندما يزيد الطلب عليها بلا مبرر وتزيد أعداد الاصابات بمرض النقرص في المملكة، وما معنى أن نطلق العابا نارية في مناسبات تقليدية اعتيادية يومية بين نجاح أو تخرج أو حتى الطهور تبلغ تكلفتها في المناسبة الواحدة وعلى رب الاسرة صاحبة المناسبة ما لا يقل عن ثلاثمائة دينار استكمالا للبريستيج الكاذب، ما معنى أن نقيم للابن الواحد للخطبة حفلة للرجال وحفلة للنساء، وللعرس حفلة غداء عند الظهر وحفلة في المساء بالصالات الكبرى والفنادق وفي الفاردة تسير مئات السيارات فتغلق الشوارع وتستهلك ما لا داعي له من الطاقة، ما معنى أن يكون امام كل بيت ما لا يقل عن أربعة سيارات، ماذا يعني أن لا نركب الا سيارات الدفع الرباعي ذوات المحركات الضخمة، وماذا يعني أن يطلب والد العروس ممن يطلب يد ابنته شروطا تعجيزية وتصبح خمسة بخمسة بخمسة (خمسة آلاف دينار للذهب وأخرى للاثاث واخرى للمؤخر)، وماذا يعني أن نهدر في الولائم الكاذبة والتي لا ترضي الا اصحاب النفوذ والمناصب وتترك الفقراء والمساكين، وماذا يعني أن نتباهى بالخادمات وعددهن لدى الاسرة الواحدة ولا نرى في الاحياء الغنية سوى الخادمات واهلها لا يخدمون أنفسهم، وكم يبلغ تكلفة ذلك من عملة صعبة على الوطن، ماذا يعني أن يدرس صاحب المعدل المتدني الطب والهندسة وخارج البلاد وكم يكلف ذلك رب الاسرة، وماذا يعني أن تاخذنا المظاهر فتهدر ثلثي الراتب ويبقى الثلث الاخير للاساسيات ولا يكفي ونتألم فيما تبقى من الشهر بلا مصروف، وهل ذلك سوء ادارة أم سوء تخطيط أم تبذير، وماذا يعني أن نتناسى الصدقات والزكاة والتكافل والتي أمر بها ديننا الحنيف، وجارنا يمر يوم لا يذوق فيه اولاده الغداء ولا العشاء ونحن لا يلهينا سوى القنوات الفضائية والانترنت والتعليقات التي تعكس الحقد والحسد وسوء النوايا، وماذا يعني أن ننسى أن آبائنا وأجدادنا الشرفاء عاشوا حياة صعبة وحرثوا وزرعوا وحصدوا ورعوا الحلال وكان قوتهم من صنع أيديهم وينعمون بالامن الغذائي المحلي، واليوم تمتليء المحلات التجارية لدينا بالمواد التموينية المستوردة والمعلبة والتي تستهلك عملتنا الصعبة، ألم نكن قادرين على تصنيع مثلها فنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع فنوفر فرصا للعمل ونخفف الطلب على العملة الصعبة بالحد من استيراد غذائنا ولبسنا وغيرها؟، وماذا يعني أن يعزف أبنائنا عن العمل في الحرف والاعمال اليدوية وفي الوقت الذي يشهد السوق فرص عمل كثيرة تدر على مجموع الوافدين شهريا عشرات الملايين وتستهلك عملتنا الصعبة، ماذا يعني وماذا يعني؟ ولماذا تغيرنا؟
كل ذلك اليوم يفرض علينا تبني وضع استراتيجية وطنية توحد الصفوف والجهود وتتحول من مظاهرات في الشارع الى منهجيات موثقة وخطط عمل نعرف من خلالها الفساد ومتى وكيف يكون، ونعزز الرقابة والمحاسبة من ناحية، ونفعل القانون الذي يعيد مقدرات الوطن للوطن من ناحية أخرى. وأن نتبنى كذلك استراتيجية اجتماعية توعوية تعيدنا الى الرشد والى تعاليم ديننا الحنيف وبملخص مفاده "مد لحافك على قد رجليك" وبعكس ما سرد سابقا من مظاهر البذخ والتبذير أمام موارد ضعيفة لا تحتمل، ووضع استراتيجية اقتصادية تدرس الموارد الوطنية المختلفة بأشكالها القائمة والكامنة وتستشرف المستقبل القريب والبعيد بملخص مفاده أين نحن، وماذا نريد، وكيف نحقق ذلك، من خلال نماذج وسيناريوهات واقعية، اطارها مخافة الله تعالى وفتح الباب الاوسع للمشاركة في صناعة القرار الحكومي والشراكة بين قطاعات المجتمعات المحلية والحكومية ومن خلال الكثيرين من أبناء المملكة الذين لديهم ما يقدموا ولانهم ليس لديهم الواسطة لم يقدموا وضاعت كلماتهم وحكمتهم واحتسبوها عند الله تعالى لما جاء البعض وبالواسطة والمحسوبية للمناصب وهم والله الذي لا اله سواه لا يفقهون منها الا انها منفعة فقط وسفر ومياومات ومنصب وبريستيج كاذب حقير وخطوة للامام نحو المزيد (أرجو المعذرة فلا أقصد احدا بعينه ومن كان ينطبق عليه الحال ويجد أنه لا يخدم وظيفته بحق الله تعالى وليس على قدر المسؤولية فليقدم استقالته اليوم قبل الغد ويفتح المجال لغيره، فالوطن اكبر من الجميع، وجلالة الملك حفظه الله تعالى بأمس الحاجة اليوم لاهل العزم من الذين يقال عنهم في المعركة "أبناء العفنات" أي اللاتي يقهرن الصخر واللاتي يلدن الاسود الذين يصيحون في الوغى "المنية ولا الردية")، وأخيرا وضع استراتيجية سياسية ملخصها التوعية الشاملة بأهمية صدق الوقوف الى جانب سيد البلاد جلالة الملك حفظه الله تعالى ورعاه، فهو الاصدق والاقرب للمواطن والاعلم بمصلحة الوطن والامة، فهو الذي قاد الاصلاح منذ اليوم الاول لتسلمه الحكم (هل نسيتم عندما أمرجلالته بسحب كل رخص السيارات التي كانت مسجلة باسم الديوان الملكي وأمر باعادة تسجيلها باسم مالكيها الحقيقيين عملا بالعدل والمساواة وللحد من النفقات التي كانت تشكلها على الميزانية، هل نسيتم عندما بدأ بمحاربة الواسطة والمحسوبية منذ تسلمه سلطاته وتحدث عن ذلك التحدي على المستوى الوطني في الكثير من خطاباته) وهو اليوم يرسم نهجا جديدا قويما ولديه الكثير من الخطوات المباركة والتي سيعلن عنها في الوقت المناسب لما فيه خير الشعب ورفاهيته، وأن "من يريدون الناطور وليس العنب" سوف لن نجدهم عندما تضطر امهاتنا وبناتنا واطفالنا للهروب والتشرد، ولن نجدهم عندما تتقطع بنا السبل فلا كهرباء ولا ماء ولا أمن ولا مواد تموينية ولا مستشفيات ولا يأمن أحدنا على حياته لو أراد التنقل من حي لاخر، وعندها سيتحقق مبتغى "الذين يريدون الناطور وليس العنب"، ولكن اقول لهم سلفا بأن هذا البلد سيبقى ولن ينال من وحدتنا وتكاتفنا والتفافنا حول وطننا ومليكنا احد، وسنقهر ونحن أبناء الاردن الشرفاء وبتماسكنا وبنسيجنا الوطني العظيم في القرى والبادية والمخيمات والمدن كل من تسول له نفسه المس بسيادة هذا الوطن وأمن أهله، لأن دعوة ابراهيم عليه السلام الاولى كانت طلب الامن والامان، ورحلة قريش في الشتاء والصيف احاطها الله تعال بالامن والامان، والبركة والامن والامان حول المسجد الاقصى الذي نتشرف بجواره، والتين والزيتون في هذا البلد الامين، فأين يذهبون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأله تعالى أن تنقلب الاثمان التي يقبضونها من الخارج نارا وجحيما عليهم ويلاقون ذلك في أبدانهم وأنفسهم، ففي اليوم الثامن من الاسبوع أثاروا الفتن وقبضوا ثمنا بخس، وكان رهانهم كيومهم الثامن من الاسبوع خيال وأوهام.
*مفوض التنمية المحلية والبيئة سلطة اقليم البترا التنموي السياحي
(أستاذ مشارك في علم المياه والبيئة – جامعة آل البيت)