*عمان تعج بالزوار "الجدد" في رسالة واضحة الى وجود رغبة أردنية "غير معلنة" للانقلاب على الأوضاع التقليدية .
منذ اليوم الأول للأزمة السورية بدا واضحاً ان خيارات الأردن السياسية ستصل به الى مفترق طرق, أحد عناوينها الحاجة الى خيارات استراتيجية جديدة.
التحولات الاقليمية ألأخيرة و يقين الأردن بضرورة عدم الانسياق خلف مشاريع التورط العسكري في سوريا وضع الخيارات الأردنية على المحك. الحلفاء التقليديون (السعوديين) شرحوا طبيعة موقفهم منذ اليوم الأول للازمة, المساعدات و حتى العلاقة الطيبة مرتبطة بمواقف تقدم على الأرض في سوريا. استمرت المناورة الأردنية الى اللحظة التي وجد الأردن نفسه يُقدم قرباناً في سبيل الحفاظ على وجود دول أخرى من الحلفاء أنفسهم.
أدرك الأردن ان اوراق اللعب السياسي لم تعد كثيرة, لكن تبقى ورقة اللعب على التناقضات السياسية الأكثر قدرة على الحسم و التأثير. على المستوى الخليجي وجد الأردن تقاطراً في المصالح و الأوضاع مع دوليتين: الامارات و الكويت. الامارات تتعرض لما أسماها مسئول اماراتي مؤامرة اخوانية تهدف الى قلب نظام الحكم, و الكويت تتعرض هي الأخرى لأزمة مشابهة أظهرت التقارير تورط دولة خليجية في تغذية الأزمة الكويتية الداخلية و اذكاء الصراع و التأليب على الأمير. اذاً, ضمنياً يجد الأردن نفسه متقاطعاً مع حليفين جدد داخل المنظومة الخليجية المنحسرة و المصارعة فيما بينها, في صراع خفي يرشح ان يصل الى درجة الصراع الوجودي مستقبلاً..
اقليمياً تغلب الأردن على مشاكل الكيمياء الشخصية و التحالفات التاريخية ليجد نفسه مضطراً لإعادة بناء عمقه الاستراتيجي عبر البوابة العراقية. الأردن يعلم تماماً أن العلاقة مع الجار العراقي هي علاقة استراتيجية بامتياز, فالعراق الذي وضع نفسه في محور مواجهة مع معسكر اعداء سوريا يدرك انه هو الاخر يتعرض لمؤامرة عقاب على موقفه من سوريا و مؤامرة تقسيم طائفي بدأت بالاكراد و تنتهي بسنة الانبار.
هجمات ارهابية متكررة في بغداد يعلم الجميع هوية الطرف الخليجي الذي يدعمها, و محاولة لتفجير الأوضاع السياسية في الأنبار, باعتباره الطريق الأسهل لتقسيم العراق طائفياً. اذاً الأردن يدخل الى المشهد العراقي بقوة كحليف استراتيجي في مواجهة ما يتعرض له العراق, فالأردن يملك أوراق استراتيجية حقيقية تساعد العراق على مواجهة ما يتعرض له اليوم من مؤامرات. لهذا, من الضروري الالتفات الى الفارق الجديد في شكل هذه التحالفات الناشئة, فهي تضع الأردن بصورة الحليف المركزي و تنهي صورة التبعية السياسية مدفوعة الثمن, باختصار الأردن يبحث عن "شراكات استراتيجية لا هبات و منح".
لكن من المهم أيضا, قبل البدء برسم أشكال تحالفات جديدة, قد تكون نوعاً ما "حالمة" نظراً لعدم وضوح أمرين رئيسيين:
الأول: تشكيك البعض بالقدرة الأردنية الحقيقية على الالتفاف على التحالفات التقليدية المتكلسة حيث ان الأردن تاريخياً كان عاجزاً على التقاط الاشارات الدولية و الاقليمية التي تساعده على انجاز مثل هذه التحولات, و حتى في حال التقاطها كان ارتهانه للمعسكر الغربي أقوى من قدراته على الالتفاف على سياساته التقليدية.
الثاني: عدم وجود فريق سياسي حقيقي في مفاصل الدولة قادر على حمل المرحلة السياسية الصعبة و مواجهة تبعاتها بديناميكية عالية, حيث أن أغلب تقديرات السياسيين, تشير أن ما ينهجه الأردن اليوم هو ليس نتاج لرؤية مطبخ سياسي بل هو محكوم لردات فعل, هي في حقيقتها رسائل تهدف الى تحريك التحالفات التقليدية عبر اظهار رغبات الالتفاف لا أكثر.
البدء بانتاج تحالفات جديدة ليس مغامرة أو نزهة يمكن انهاءها و العودة عنها بسهولة. لهذا فان هذه الخطوات قد تنتهي في الأردن الى طريق لم تجرأ السياسة الرسمية الأردنية على التفكير به سابقاً, فالأمور قد تبدأ بالعراق الى أنها قد تنتهي في طهران, و قد تبدأ في سوريا لتنتهي بموسكو, لهذا من حق الأردنيون أن يعرفوا ان كان هناك برنامج سياسي فعلي يعيد رسم السياسة الخارجية الأردنية أم لا؟ فالمضي قدماً في هذه التحالفات التي قد يضطر السياسة الرسمية الى اعادة صياغة شكل المقاومة مع اسرائيل قريباً عبر اعادة تعريف صورة العدو التي عملت السياسة الرسمية نفسها على شطبها منذ لحظة توقيع اتفاقية وادي عربة. لهذا فان تسريبة اسرائيلية واحدة للقاء تم في عمان (بين الملك عبد الله الثاني و نيتينياهو) و لم يشعر الجانب الرسمي الأردني بضرورة مكاشفة الداخل كانت كافية ان تضع كل الخطوات الأردنية موضع تشكيك من قبل كثير من المراقبين سواء في الداخل او الخارج. كما هو الحال بالنسبة للأخبار القادمة من حين لأخر عن تواجد القوات الغربية على الحدود الأردنية مع سوريا, و التي تعلمها كل أجهزة الاستخبارات في العالم,و ينكرها الأردنيون.
الحقيقة, ان التفكير في اعادة رسم المواجهة مع العدو الاسرائيلي, و تبديل التحالفات التقليدية الأردنية العربية و الدولية, في ظل غياب رؤيا حقيقية قد يعد أمراً كارثياً, لأن التحديات الناجمة عن مثل هذه السياسات هي تحديات خطيرة, حيث ترتفع معها احتمالية استهداف الساحة الداخلية الأردنية و بالتالي, فان البوصلة الاستراتيجية الحقيقية لمثل هذه المشاريع يجب أن تبدأ بالتصالح مع الداخل قبل الانطلاق للخارج. فالأردنيون مستعدون للتضحية في مقابل قضية يؤمنون بها, لكن العمل على انهاء الروح الوطنية (خصوصاُ بعد توقيع اتفاقية السلام) هو الذي ولد جيل من المسؤولين الضعاف, الأمر الذي عمل على تفريغ الأمور من محتواها الحقيقي و اختفاء الروح النضالية من كل الميادين. لهذا ان كانت خياراتنا الأردنية اليوم تأتي ضمن مشروع انقاذ الأردن و العبور به الى بر الأمان, فلابد من أن يتشكل فريق الدولة من "الأردنيون الجدد", الأردنيون الفخورين بأردنيتهم, و المعتدين بما يملكوا من ارث ثقافي وحضاري, القادرين على المواجهة و النضال في سبيل الحفاظ على الأردن, لهذا حتى يتسنى لمشروع بهذا الثقل السياسي أن ينجح, لا بد –قبل كل شيء- من تنظيف الدولة الأردنية من المتزلقين الذين امتهنوا التسول و ابتذال الكرامة و الذين يعرفون أردنياً اليوم بجيل"حاضر سيدي".