تختلف على أمر تافه مع ميكانيكي أو عامل نفايات أو شرطي أو معلم أو وزير أو جار، وعند أول حدة أو صوت مرتفع أو جدل بين اثنين يقول أحدهما للآخر وبشكل بات رائجاً في كل مكان:»انت مش عارف مين أنا، انت مش عارف مع مين بتحكي»؟!.
الذات متورمة فينا، وذات مرة اختلف عاملا جمع القمامة أمام منزل مواطن، فبدأ الاول ُيهدّد الآخر: «انت مش عارف مين انا ؟!» والآخر يرد عليه:»انت مش عارف مع مين بتحكي؟!» وكلاهما بدأ بالاتصال عبر موبايله مع مراكز دعمه ونفوذه في الدولة من اجل تدمير الآخر، باعتبار ان لهما شبكات حماية ونفوذ.
الذي يعرف نائبا يهدّد، والذي يعرف شرطياً في مغفر يهدّد، والذي يعرف مختاراً يهدّد، والذي يعرف بيت وزير يهدّد، وهكذا تتورم «الأنا» بين الناس بشكل غير طبيعي، وليس ادل على ذلك من المشادات، فالكل يريد ان ُيلقن الكل درساً حول من يكون، وماذا بإمكانه ان يصنع ضد خصمه الضعيف.
ذات مرة وفي مكتب وزير جاء مواطن عليه غرامات لابد من دفعها، ولأنه يريد الوزير شخصياً، ولا يقبل اقل من الوزير، رفض مدير مكتبه ادخاله، لانشغال الوزير، فبدأ المواطن المحترم بالصراخ في المكتب، قائلا لمديرالمكتب ذات الجملة: «انت مش عارف مين أنا، انت مش عارف مع مين بتحكي؟!.
اشفقت على مدير المكتب فالمواطن عليه غرامات جراء سرقته لمال عام عبر إحدى الخدمات، وبرغم ذلك نجده صلفاً غليظ القلب، يهدًد ويتوعد وهو سارق متأنق، لايختلف عن أي لص آخر، وإذا كان اللص الآثم يهدّد ايضاً، فماذا تبقى للآخرين؟!.
الشعور بـ»الأنا» السلطوية تراه في كل مكان، واذا اختلف مواطنان يقودان سيارتهما في عمان، نجدهما سرعان ما يشتمان بعضهما البعض، ويطلقان ذات الجملة، ونرى كل واحد منهما يوصل ذات رسالة التهديد عبرتسجيل رقم لوحة سيارة الآخر، موحياً ان خلفه مراكز نفوذ ستنتقم له، فيما ثمن سيارة كل خصم لا تتجاوز خمسمائة دينار في احسن الحال، بما يؤشرعلى نفوذه المفتعل!!!
لا تعرف لماذا يتجادل الناس أصلا، ولماذا لا يمضي الانسان في طريقه بألطف الكلام، واطيبه، فمفتاح الانسان كلمة رقيقة، وليس معقولا ان يشعر كل واحد منا بأنه «زعيم ابن زعيم» وخلفه قوى ومراكز نفوذ، وهذه حالة لا استثني منها احدا ؟!.
تتأمل من لديهم نفوذ حقاً فتراهم ساكتين في هكذا مواقف، بل على العكس يتراجعون للخلف حتى لا يدخلون في دوامة دونية من الكلام والجدل غيرالمنتج مع شخص آخر، اياً كان موقعه في هذه الحياة.
ذات مرة اوقفت دورية شرطة مواطناً طائراً بسيارته، ولأن الدورية على حق وارادت مخالفته، وكان لابد من حجز رخصته لسبب ما ، انفلت في وجه الدورية قائلا لهم ذات الجملة: انتوا مش عارفين مين انا، انتو مش عارفين مع مين بتحكوا؟! ثم دار مثل المجنون، متصلا بخالته ربما عبر الموبايل موحياً انه يتصل بمرجعيات عليا، من اجل مخالفة سير!!.
الكبرياء جميل، لكنه لا يعني ابداً تهديد الآخر، والتطاول بالأعناق، ولا يعني ان كل واحد فينا اذا كان يعرف جابيا للمياه يفصل الخطوط، او شرطياً يجلب العصاة، او متنفذا هنا او هناك، من حقه المشي مثل الديك المنفوش.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعظمته وهو خاتم الأنبياء والمرسلين والله معه و ناصره، ضربه أهل الطائف بالحجارة، وجاء اليه جبريل عارضاً عليه خسف الأرض بهم، فلم يقبل، فماذا تقول هذه القصة لاتباعه هذه الأيام، بخاصة ان المحبة اللفظية لا تكتمل الا بسلوك مطابق لسلوكه.
الذي لا يعجبه مقالي ايضاً اقول له: انت مش عارف مين انا، انت مش عارف على مين بتحكي؟!هدانا الله وإياكم.
maher@addustour.com.jo
الدستور