لم تكن مبادرة الانفتاح التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، متوقعة لدى مسؤولينا. لكنها جاءت بمثابة "مفاجأة سارة"، فتحت آفاقاً جديدة للعلاقة بين الدولتين، تحديداً ما يتعلّق بالجانب الاقتصادي، على صعيد النفط والأسواق العراقية والديون الأردنية، وغيرها من "مصالح مشتركة" يمكن أن تتحقق لو مضت الأمور إلى الأمام، كما يؤمّل الطرفان.
الانفتاح العراقي أمّلته ضرورات استراتيجية. فعلى صعيد الطاقة، يحتاج العراق، مع تدهور علاقاته مع المنطقة الكردية والأتراك ومع الأوضاع المضطربة في سورية، إلى تأمين إمداداته النفطية إلى الدول المحيطة بالمتوسط، وهو ما يمكن أن يتحقق عبر أنبوب نفط ممتد إلى خليج العقبة، يستطيع الأردن أخذ احتياجاته النفطية منه، ما يشكّل رافداً اقتصادياً حيوياً.والحزمة الاقتصادية التي تمّ الحوار بشأنها تمثّل فرصاً غير تقليدية في هذا الوقت الحسّاس للأردن، وتفتح أفقاً واسعاً واستراتيجياً، لكنّه في الوقت نفسه محاط بتحديات وصعوبات كبيرة، مرتبطة بالعلاقات السياسية والرهانات الإقليمية المتباينة لكلا الدولتين في المنطقة، ما يقتضي السير بهدوء وحذر في تدشين هذه العلاقات الجديدة، كي لا يتم إفسادها وتحطيمها منذ البداية.
المسؤولون الأردنيون يعيدون اليوم تقييم الموقف من رئيس الوزراء نوري المالكي، وتحديداً من تلك الفرضيات التي هيمنت على تفكيرنا باعتباره حليفاً لصيقاً لإيران. إذ تبيّن لدى المسؤولين أنّه يمتلك رؤيته الخاصة وحساباته في العلاقة مع مختلف الأطراف الإقليمية.
بالرغم من ذلك، تبقى هناك صعوبات كبيرة، تتمثّل في النفوذ الإيراني الكبير على قوى عراقية عريضة، يمكن أن تقف ضد أي مشاريع مشتركة أردنية-عراقية، وفي الوقت نفسه الصراعات المتصاعدة بين المالكي والقائمة "العراقية" والمجتمع السنّي، والاحتجاجات الهائلة ضده في منطقة الأنبار، ما قد يجعل من سؤال الاستقرار السياسي في العراق موضع اختبار، بخاصة مع انفجار الاختلافات الكبيرة بين الحكومة المركزية والحكومة الكردية!
يضاف إلى هذا وذاك الموضوع السوري، وما يبثه من حسابات طائفية في المنطقة بأسرها، ويجعل من محاولات إصلاح العلاقات وترميمها بين دول المنطقة محفوفة بهذه الأجواء المقلقة بين الدول العربية، بخاصة أنّ هنالك نسبة من الشيعة في منطقة الخليج العربي أيضاً، ما يجعل، أيضا، من المسألة الطائفية بمثابة فيروس خطر يهدد الأمن الإقليمي بأسره، في حال -لا قدر الله- آل الوضع السوري إلى مثل هذه الفوضى الطائفية والإثنية.
بالضرورة، لا يمكن النظر إلى ملف العلاقات مع العراق بصورة منفصلة عن الملفات الإقليمية الأخرى، سواء الملف النووي الإيراني أو السوري أو حتى العلاقات مع الحكومات الإسلامية الجديدة في مصر وتونس والمغرب، والعلاقة مع تركيا، ومع دول الخليج التي فتحت أخيراً باب الودائع والمساعدات للأردن هذا العام، كما كانت عليه الحال في الأعوام السابقة.
نحن، إذن، أمام معطيات جديدة تماماً في المنطقة؛ فكل ما حولنا يفرض متغيرات جديدة، وحسابات مختلفة عن المرحلة السابقة، وهو ما يطرح على مطبخ القرار في عمان ضرورة التفكير خارج الصندوق، وتجاوز الفرضيات التقليدية في التعامل مع المنطقة، إلى التفكير عميقاً في السيناريوهات المحتملة، وتعريف المصالح الوطنية ضمنها، والفرص التي يمكن أن تترتب على هذا الواقع الجديد، والتحديات والتهديدات، من ثم رسم الطريق المطلوبة والخيارات والبدائل المتوقعة.الشرق الأوسط 2103 لن يكون بالضرورة هو نفسه في الأعوام السابقة؛ نحن أمام تحولات تاريخية كبرى، ربما تحمل من الفرص والهدايا ما لم تحمله سنوات سابقة، في حال حضّرنا درسنا الدبلوماسي والوطني جيداً، أو العكس تماماً؛ إذ يمكن أن ندفع ثمناً باهظاً في حال لم نقرأ ما يحدث بصورة سليمة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد