عمون- كم سقط من الأردنيين ضحايا في ساحات "الجهاد"؟
رقم بالمئات. وقد يكون لدى الدوائر الأمنية إحصائية دقيقة، وقوائم تفصيلية بأسماء وأعمار الشباب.
ما دفعني إلى طرح السؤال خبر عاجل على شاشة "الجزيرة" قبل أيام، يفيد بمقتل أردني في غارة جوية باليمن. وخبر ثان عن طالب هندسة في السنة الثانية قتل في سورية.
اليمن معقل لتنظيم القاعدة، لكن ما الذي يدفع شابا أردنيا إلى التضحية بروحه في صراع قبلي؟
في أفغانستان، وباكستان، والعراق، والشيشان، واليمن، وسورية، قضى المئات من الشبان الأردنيين، كانوا في غالبيتهم الساحقة من أتباع تنظيم القاعدة.
البداية كانت في أفغانستان؛ فقد جذبت الحرب "المقدسة" ضد الروس، والمدعومة من الولايات المتحدة وأنظمة عربية وإسلامية من بينها الأردن، آلاف الشباب العرب، كان الأردنيون في طليعتهم. ثم "كرّت المسبحة"، فلم تعد ساحة مواجهة تخلو من أردنيين؛ فأينما كان تنظيم القاعدة، حضر الأردنيون من شتى الأصول.
العراق كان ساحة مثالية "للجهاد"، تجمعت في حالته كل المبررات "لطلب الشهادة والموت في سبيل الله". وبعد عدة سنوات من مقارعة الاحتلال الأميركي هناك، تبوأ شاب أردني، هو أبو مصعب الزرقاوي، "أرفع" منصب في تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
لم يقتصر دوره على إشعال حرب طائفية في العراق، بل أصابت شروره عاصمة بلاده عمان؛ فقتل نحو 60 أردنيا فيما عرف بتفجيرات الفنادق قبل 7 سنوات.
العشرات من الأردنيين كانوا وقودا في حرب الشيشان الطويلة والدامية؛ شباب بعمر الورود، طلاب جامعات، هجروا أسرهم ومقاعد الدراسة ليلقوا حتفهم في بلاد غريبة. ومثلهم في كردستان، وأماكن أخرى نجهلها.
بموازاة الدور الرسمي البارز للأردن في الحرب على الإرهاب، كان حضور الأردنيين يتعاظم على قائمة المصنفين كأخطر إرهابيين في العالم. وما تزال قضية "أبو قتادة" الذي تنوي بريطانيا تسليمه للأردن، عالقة حتى اللحظة.
وفي أكثر من دولة، ظهرت أسماء أردنيين في لوائح قضائية بدعاوى التورط في أعمال إرهابية.
كنا نحارب الإرهاب في الخارج، بينما ثقافة الإرهاب في الداخل تجذب المئات من شباننا، يتسللون عبر الحدود للالتحاق برفاق سبقوهم إلى ميادين المواجهة.
سورية اليوم هي نقطة الجذب الرئيسة للمقاتلين من مختلف الجنسيات. الأردنيون حاضرون وبقوة، وها هو أحد السلفيين الأردنيين يمضي على طريق الزرقاوي بعدما اختير أميرا لجبهة نصرة الشام منذ أسابيع.
نحو مئتين وخمسين شابا أردنيا يقاتلون في سورية حاليا، حسب تصريحات لقياديين في التيار السلفي، قضى أكثر من عشرة منهم حتى الآن في المواجهات مع الجيش النظامي السوري. ومثل المئات الذين سقطوا من قبل، لا نعرف عن هؤلاء غير القليل؛ تتناقل وسائل الإعلام خبر موتهم، ثم لا يعود أحد ليتذكرهم غير ذويهم. وهكذا تدور العجلة كل يوم لتخطف المزيد من الشباب.
هل بذلنا ما يكفي من الجهود لوقف مسلسل الموت هذا؟ حاربنا الإرهاب على كل الجبهات، لكننا فشلنا في حماية أبنائنا من الموت في أتونه. لاحقنا الإرهابيين في كل بقاع الأرض؛ شركاء في الحرب الكونية، لكننا لم نتمكن من استعادة شاب أردني قبل أن يلقى حتفه. حتى جثامينهم لم نستعدها، ولم نتقص أخبارهم أو نوثق موتهم، لعله يكون عبرة للآخرين.
شهداء أم إرهابيون، ليس مهما؛ المهم أن لا نخسر المزيد من الشباب. "الغد"