أتذكّره ولا أذكره بالخير !
رنا شاور
27-12-2012 05:03 AM
ظلمني امتحان التوجيهي كما ظلم كثيرين غيري، صنفني بخانة (الطشّي)ضمن عائلة اتسمت بالتفوق العلمي خاصة وأن اثنتين من أخواتي كنّ يوما من أوائل المملكة، ولا زال سيّء الذكر يعرّضني للمعايرة والتهكم حتى بعد مرور أكثر من عشرين سنة على الخلاص من ورطته.
أزعم أنه امتحان ظالم وأنني كنت دوما متفوقة ، غير ذلك فقد كنت أتصدر الاذاعة المدرسية لسنوات طويلة وأحصد جوائز تفوق من وزارة التربية والتعليم على مدى سنواتي الدراسية كاملة، وهاهي بضع هدايا وكراتين مختومة لازالت محشورة في الخزائن لم تشفع لي عند ظهور نتيجتي الثانوية.
همّي الشخصي همّ عام، وهذه الذكرى بعد عشرات السنين لم تمح من ذاكرتي أنا وزميلات لي رغم أننا تقدمنا إلى نجاحات أكبر وأهم في الحياة من نظام تقييمي غير عادل لم يمكنّا من اختيار التخصص الذي نريد، مع ذلك لا زالت تعتبر هذه المرحلة، التوجيهي، القول الفصل في تحديد المصير الدراسي للمستقبل وفي صياغة مفهوم النجاح أو الفشل لدى الطلاب.
أشعر برغبة مُرّة للضحك كلما تذكرت تجربتي في عام 89 على مقاعد الثانوية العامة، ولغاية الآن للأسف فلا شيء تغيّر..آلاف الطلبة يرتبط مستقبلهم بامتحان لا يعكس القدرات ولا يمكن أن يقارن بالقدرة الحقيقية والجهد المبذول من الطالب.
أشفق على طلاب التوجيهي حين لا يتسع أفقهم لرحابة الحياة بما فيها من محطات قادمة تستطيع أن تملأهم بالأمل والتفوق، بسبب الخوف من امتحان.. فهناك مراحل علمية قادمة يثبتون فيها نجاحاتهم لكنها بعيدة عنهم، ثم النجاح في العمل والترقية وإبداعات عمليّة متتالية يخنقها الاحباط من الثانوية العامة، ثم خبرات حياتية مهمة وفرص يمكن تقسيمها على اكثر من مشروع حياتي لا ندع لهم فرصة للتأمل فيها.
الزمن يتطور والطالب لازال يتوهم منذ مراحل دراسته الأولى بأن مستقبله ينحشر بمحطة وحيدة فقط هي التوجيهي.وماذا عن الخوف والقلق والتدافع إلى دروس خصوصية بمايتبعها من تكلفة، كل هذا يحصل وذهنيتنا عاجزة أن تتفتق عن بدائل أكثر انسانية وموضوعية لمرحلة دراسية فارقة. يعقدون المؤتمرات فنتفاءل، يقدمون التوصيات فنقول هذه بداية موفقة.. ثم ينتهي كل شيء كخيط دخان. لماذا يستمر هذا الإحباط المبكّر لمزيد من الأجيال، لماذا يتطور العلم ونحن نورث أبناءنا أساليب دراسية عقيمة ونفاقم التوتر العائلي والمجتمعي وعند اعلان النتائج نشغل أجهزة الدولة.
وبدل طرح بديل تعليمي متقدم ومتطوّر نتوعّد بأن نعيد الهيبة والسمعة الطيبة لامتحان الثانوية العامة؟. ذكّروني !
(الرأي)