استيقظ سكان إحدى مدن الوطن العربي الكبير على صور كبيرة ملونة ، الصقت على جدران مباني المدينة ، وتحمل صورة شخص يرتدي الزي الخاص برجال أمن بلده . وكتبت تحت الصورة عبارات نعيه للأمتين العربية والإسلامية شهيدا تزفه الملائكة ، وتصحبه دعوات الأمهات الثكلى إلى جنات النعيم ، وأن رفاقه في السلاح إذ يودعونه ليعاهدونه على السير على نهجه ، وعلى الطريق التي ارتضاها واستشهد من أجل أنبل غاياتها . وحقيقة الأمر أن " شهيدنا " قد أصاب نفسه بعيار ناري انطلق من بندقيته بسبب عبثه بها .
عندما قرأت ما كُتب على ُملصق نعي " الشهيد " أعلاه ، تذكرت على الفور القصة أو الطرفة التالية : ذهب رجل لا يُحسن ذبح الخراف إلى أحد الجزارين ليذبح خروفا ، فاستل الجزار سكينه المسنون وحز رأس الخروف قائلا : يا الله تقبّل هذا الخروف عني وعن أولادي !! فسمعه الرجل صاحب الخروف ، وردّ عليه قائلا : ربك بيعرف مين دفع ثمنه !! .
يلاحظ أن صحف دول العالم الثالث والرابع تحفل بالكثير من عبارات النعي للشهداء والأبطال ، ومن انتقل إلى جوار ربه عن عمر يناهز كذا عاما قضاها في أعمال البر والتقوى وإصلاح ذات البين ، ونعي رجل فاضل ، ونعي فلان الذي مات عن عمر كذا سنة متمما لواجباته الدينية ، ونعى رجل الاقتصاد المعروف علان ، وغيرهم كثير ممن تنسب لهم الأعمال والإنجازات المجيدة .
اعلم أن الشهادة درجات ومراتب ، واعلم أن زمن الأنبياء والأصفياء قد ولى ، وكلما سمعت خبرا أو إعلانا يستفزني بتوزيعه صكوك الغفران وتصاريح دخول جنة رضوان ، أتذكر قصة ثمن الخروف وأؤمن أن الله عز وجل يعرف من دفع ثمنه .
haniazizi@yahoo.com