«الميلاد المجيد» عيد لكافة الأردنيين
باتر محمد وردم
25-12-2012 04:48 AM
منذ عدة سنوات قررت الحكومات الأردنية تحديد يوم عيد الميلاد المجيد عطلة رسمية للدولة، وهذا أمر يعكس مدى رسوخ حالة التقدير والاحترام للمواطنين الأردنيين من اصحاب الديانة المسيحية حيث تشكل هذه الديانة عنصرا رئيسيا من عناصر تاريخ واستقرار الدولة وسكانها. بعد حوالي سبعين سنة على استقلال البلاد ربما نجد أن هنالك أهدافا قد أخفقت الدولة والمجتمع في تحقيقها وهي تمثل نقاط خلاف تدفع للصدام والتوتر السياسي، ولكنْ، هنالك عناصر تم تعزيزها بطريقة ممتازة وتشكل إنجازات حقيقية سواء للنظام أو الحكومات أو المجتمع ومن أهمها انجاز التآخي الاسلامي - المسيحي على الأرض الأردنية.
المسيحيون في الأردن جزء أساسي من النسيج الاجتماعي وهم عنصر تقوية وثراء للأردن في كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. كانوا دائما في قلب تطور الدولة الأردنية ومجتمعها وولاؤهم وانتماؤهم للأردن وللأمة العربية ولحقوقها يعتبر نموذجا رائعا للالتزام ولا يمكن لأحد أن يزاود عليه. العشائر المسيحية موجودة في الأردن وفلسطين منذ مئات السنين وساهمت بفعالية كبيرة في إنشاء الدولة الأردنية في مقتبل القرن الماضي وفي كافة الجهود الوطنية والقومية سواء لتعزيز تطور الدولة أو في مواجهة أعدائها الخارجيين وخاصة إسرائيل. احتفال المسيحيين بأعياد الميلاد هو حقهم الدستوري والديني والذي لا يمكن الجدال بشأنه لأنهم يستحقونه بشكل تام وهو فرصة لاحتفال كافة الأردنيين بصورة حقيقية من الوحدة الوطنية.
الكثير من المؤسسات التربوية والرياضية والعلمية والثقافية التي تتبع للطوائف المسيحية المختلفة ساهمت بشكل رئيسي في بناء الدولة الأردنية ولا زالت حتى الآن تحافظ على عراقتها ومشاركتها الفعالة في هذا الجهد بدون انسحاب أو تراجع أو عزلة، بل إن بعض هذه المؤسسات اصبحت هي التجسيد الحقيقي للوحدة الوطنية إذ نجد فيها من كافة الأصول والمنابت التي تعزز التنوع المتميز في المجتمع الأردني.
حتى ظاهرة صعود تيار الإسلام السياسي في الأردن في السنوات الماضية لم تترافق مع خطاب عدائي للأخوة المسيحيين بل كان هنالك التزام يستحق التقدير من الرموز السياسية والدينية للاتجاه الإسلامي في التعايش الإيجابي مع المواطنين المسيحيين وباستثناء بعض التصريحات المتهورة النادرة جدا لم يظهر اي خطاب يستهدف الدين المسيحي كما ظهر في دول عربية أخرى سواء قبل أو بعد مرحلة الربيع العربي.
في مناسبة عيد الميلاد المجيد يجب أن نتذكر مرة أخرى أهمية الحفاظ على منجزنا الوطني في التآخي. ربما لا نشعر أحيانا بحيوية وضرورة وحجم هذا الانجاز لأننا تعاملنا معه كأمر مُسلَّم به ولكن عندما نرى كل هذه التناقضات الطائفية والحرائق الدينية المشتعلة في مجتمعات أخرى بعضها قريب جدا منا نشعر بقيمة هذا الانجاز وضرورة حمايته والمحافظة عليه ومنع أي تطرف كان في الاضرار بنموذج المجتمع الأردني الموحد. كل التمنيات بعام سعيد لإخوتنا المسيحيين ونستمر معهم في بناء هذا الوطن والمحافظة عليهم لأنه كان دائما وسيبقى للجميع.
(الدستور)