كوريا الجنوبية من دولة فقيرة تتلقى المساعدات الخارجية الى مانحة متقدمة
24-12-2012 02:02 PM
نهضة الريف أساس التقدم الكوري
800 مليون دولار قيمة التعويضات اليابانية استخدمت في التنمية
الانتقال من الزراعة الى الصناعات الثقيلة والكيماوية
التحول بدأ عام 1974 والنزاهة كانت شعارهم
رغم الرعب من قوة الشمال الا أن الجنوب ماض في التقدم
النساء تبرعن بمصاغهن الذهبي للخزينة لتجاوز أزمة عام 1997 المالية.
عمون - سيئول – أسعد العزوني- تقع شبة الجزيرة الكورية بين الصين وروسيا واليابان ، وضمتها اليابان اليها بالقوة عام 1910 بموجب المعاهدة اليابانية – الكورية التى وقعها الامبراطور الكوري" لي وان يوونغ" واستمر الاحتلال الياباني حتى نهاية الحرب الكونية الثانية في شهر آب 1945، بعد استسلام اليابان للتحالف لذي قادرته أمريكا واستسلام الجيش الياباني في كوريا . وجرى التقسيم عام 1948..وعند ذاك وضعت أمريكا يدها على كوريا الجنوبية وكذلك الاتحاد السوفيتي السابق على كوريا الشمالية .
يعود إسم كوريا الى فترة حكم مملكة كوريو من التاريخ الكوري والتى تعود بدورها الى المملكة القديمة " كوكوريو" وأطلق عليها تجار الشرق الأوسط إسم " كوليا"...
تخلل فترة الاحتلال الياباني لكوريا مقاومة لا عنفية بدأت عام 1919 وقتل آنذاك 7 آلاف متظاهرا وتعرضت كوريا في تلك الفترة الى محولات القضاء على الهوية الطنية واللغة ، وحلت مكانها اللغة اليابانية ، ونقلت المتاحف والآثار الكورية الى اليابان وأمريكا ، وهناك 10000 آلأف قطعة أثرية في اليابان و20 ألفا في أمريكا وما يزال النزاع مستمرا مع اليابان حول ملكية صحور " ليانكورت" وهي جزيرة صغيرة تقع شرقي شبه الجزيرة الكورية.
هاجر الى كوريا نحو 850 ألفا من المستوطنين اليابانيين وأقاموا فيها حتى نهاية الحرب الكونية الثانية ، وبعد تكريس الانفصال بين الكوريتين ، وقعت الحرب الكورية عام 1950 وأستمرت حتى العام 1953 ، راح فيها ملايين المدنيين وجرى تدمير العديد من المدن وانتهت باستحداث منطقة منزوعة السلاح تسيطر عليها الأمم المتحدة وأمريكا.
كانت كوريا الجنوبية بعد الانفصال دولة فقيرة معدمة لكنها اليوم أصبحت عضوا في مجموعة 20 G الصناعية ، وباتت تقدم المنح للدول الفقيرة .
وقال البروفيسور " جون كيونغ كيم" مدير معهد التنمية في سيئول في محاضرة للوفد الاعلامي الدولي الزائر بعنوان " التجربة الكورية في مجال التنمية الاقتصادية" أن كوريا الجنوبية كانت تعيش على المساعدات الخارجية .
لكنها اليوم تندرج ضمن ملف الدول التى تقدم المساعدات للآخرين ودخلت مجال تصميم وصناعة المواد الكيماوية الثثقيلة وانجزت نهضة الريف من خلال التنمية المستدامة.
وأرتفع مستوى دخل الفرد الى أرقام قياسية ، ولم ينكر معاناة بلاده من حرب الكوريتين والتقسيم، وخسارة نحو 1,5 مليون شخص بين قتيل وجريح ، كما أوضح أن نسبة ادخار الفرد في تلك الفترة كانت 3%..
وأضاف البروفيسور كيم أنه جرى إعتماد سياسة النمو المشترك ، وتطورت التنمية مع انخفاض مستوى الدخل ، واعتمدوا كذلك سياسة المساواة في الدخل ، بمعنى أن الدولة تقدمت والفرد استفاد.
وزاد أن الصادرات ارتفعت عام 1951 من 51% من الدخل القومي الى 56,2% عام 2011 ، كما أن حجم التجارة الخارجية وصل العام الماضي الى 1 تريليون دولار أمريكي مشددا على أنهم لم يغفلوا الشأن الصحي..
وقال أنهم تمكنوا من القضاء على العدوى الطفيلية والجراثيم والبيئة والطعام ، واتسعت مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار ، منوها أن المواطنين عام 1950 كانوا يقطعون الأشجار لمواجهة برد الشتاء القارس.
وفي سياق آخر ، أوضح البروفيسور كيم أن بلاده أصبحت دولة صناعات ثقيلة ، رغم أنها كانت زراعية و80% من مواطنيها مزارعين ونجم عن ذلك قيام كوريا الجنوبية بتصدير المنتجات الزراعية ، تبع ذلك البدء بالصناعات الخفيفة ، ثم الانتقال الى الصناعات الثقيلة والأدوات الكهربائية المنزلية ، وقاممت كوريا بتصدير " المذياع" وبدأت بتصنيع السفن والسيارات ، وبذلك انتقلت من الزراعة الى الصناعات الثقيلة والكيماوية.
وعزا البروفيسور كيم ذلك الى أن الرئيس الأسبق " باراك جونغ هي " كان يرغب بتحقيق هذه النقلة..لأنه درس في اليابان في الأكاديمية اليابانية العسكرية وكان شعاره " دولة غنية وجيش قوي". وكان الأمر بحاجة الى رأس مال كبير ، موضحا أنهم عانوا كثيرا ، في البدايات بسبب انعدام التمويل وعدم وجود عمال مهنيين لأن الشعب كان يعمل في الزراعة..
وفي السياق ذاته أوضح الأكاديمي الكوري أنه جرى اعتماد نظام اصلاح الضرائب، ما ادى الى ازدياد نسبة دخل الدولة في ستينيات القرن الماضي بنسبة 51% وبالتالي لم يعودوا بحاجة الى المساعدات الخارجية ، كما أنه جرى محاربة الفساد ، وقام البنك المركزي باصدار العملة ، ما ادى الى ازدياد النقود مع المواطنين ، وارتفاع أثمان البضائع.ؤكدا أنهم توقفوا عام 1964عن استلام المساعدات الخارجية ، وباتوا قادرين على تمويل مشاريعهم ، واصفا ذلك العام بأنه نقطة التحول وأن النزاهة كانت شعارهم..
وعلاوة على ذلك أوضح البروفيسور كيم أنهم تخلصوا من الرشوة ،منوها أن المدعي العام والشرطة آنذاك كانوا يتدخلون في موضوع الضرائب ويرتشون من قبل الشركات والأغنياء مؤكدا أنهم تمكنوا من تغيير الواقع من خلال السلامة المالية ، كما لفت الى أن رجال الأعمال كانوا يخافون أن تذهب الضرائب الى اليابانيين ابان فترة الاحتلال الياباني مؤكدا في ذات السياق أن نظام الاصلاح الضريبي أسهم في النهضة الكورية.
ولدى حديثة عن الأزمة المالية الكورية 1997-2000 أكد البروفيسور كيم أنهم تجاوزها بأقل الخسائر ، وأن النساء الكوريات تبرعن بمصاغهن الذهبي الى الخزينة لانقاذ البلاد مما كان يخطط لها ،كما أنهم تجوزا الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وتابع أن بلاده أصبحت دولة مصدرة ، بدلا من تلقي المساعدات الخارجية ، موضحا انهم في السابق كانوا يعانون كثيرا لأن أحدا رفض منح القروض لدولة فقيرة مثل كوريا الجنوبية ، بيد أنه بين أنهم تجاوزوا ذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الخارجية ، وبالتالي خرجوا من ضائقة عجز الميزانية الدائم ، ووصلوا الى مرحلة ضمان القروض الخارجية ، لكن حل العقدة تمثل بالتطبيع مع اليابان ، الذي سمح يتدفق رؤوس الأموال الجنبية الى كوريا .
كما أوضح أن الحكومة عملت على ضمان سداد القروض الخارجية للشركات المحلية لكنه قال أن العالم لم يثق بالحكومة آنذاك لأن كوريا كانت دولة فقيرة.
وتوسع البروفيسور كيم في الحديث عن نقطة التحول هذه بقوله أن الرئيس الأسبق" باراك جونغ" قرر تطبيع العلاقات مع اليابان رغم معارضة الرأي العام الداخلي الذي عبر عن ذلك بالمظاهرات الرافضة للتطبيع مع اليابان ، وأن الرئيس طلب 800 مليون دولار أمريكي كتعويضات من اليابان اضافة الى تعبيد الطريق السريع لأن أمريكا والبنك الدولي لم يثقوا بالحكومة الكورية آنذاك ، وأكدوا عدم جدوى هذا الطريق ، وبالتالي رفضوا منحها القروض منوها أن الحكومة نفذت تعبيد الطريق السريع من خلال التعويضات اليابانية.
وتابع مدير معهد التنمية أنهم بدأوا بعد تسلم التعويضات اليابانية بتدريب العمال لاكتساب مهارات فنية ، علما أن نظرة المجتمع الكوري للمهندسين والتقنيين كانت دونية ما أدى الى العزوف عن الهندسة والتقنية ، بخلاف ما يجري هذه الأيام من اقبال منقطع النظير على هذين المجالين..
لكنه أوضح أن المجتمع الكوري آنذاك كان يحترم الرسامين وكتاب الأغاني، الأمر الذي جعل المهندسين يهاجرون الى ألمانيا للعمل هناك..
وبين أيضا أن اليابان ساعدت كوريا الجنوبية بالمدربين ، وأن الرئيس جونغ شجع المهندسين الكوريين بالتأكيد لهم أنهم رواد التقدم الصناعي.
وتابع البروفيسور كيم أنهم لم يغفلوا بقية الأبواب ، اذ دخلوا مجال الرياضية من خلال الأولومبياد، وحصلوا على ميداليات برونزية وذهبية وبرزت عندهم صفة البطولة وقاموا بتقديم الجوائز للفائزين المتميزين مشددا أنهم رغم اهتمامهم بالصناعة الا أنهم لم يهملوا الزراعة .
وفي ذات السياق ، تحدث عن مشروع قرية" السموأل" الحديثة القائمة على التحسن والتقدم والحياة العصرية والتعاون ، وقدموا الاسمنت والحديد والكهرباء مجانا لمن يريد الاقامة فيها ، كما شجعوا زراعة الأِشجار التى وصل عددها الى ثلاثة مليارات شجرة ما بين 1973- 1978 ، ووصف مشروع قرية " السموأل " بأنه تنمية مستدامة أسهم بخلق قرى تعاونية متقدمة من خلال استصلاح الأراضي وتشجيرها والزراعة ، وتشجيع الادخار في صندوق القرية ، مؤكدا أن هذا المشروع أسهم في التقدم الكوري بحسب استطلاع جرى عام 2008 ، لافتا أن الوعي وتغيير طريقة التفكير هما أساس التقدم الكوري كما شدد على دور جمعية نساء السموأل في تجاوز الأزمة المالية المفتعلة عام 1997 ..
وفي معرض رده على أسئلة الاعلاميين قال البروفيسور كيم أن بلاده تساعد كوريا الشمالية منوها الى وجود 23 شركة جنوبية في مجمع كيزون بكوريا الشمالية ، كما أن الجنوبيين يعملون على تحسين مستوى التعليم في الشمالية ، اضافة الي تقديم المساعدة في الاصلاح الزراعي والاصلاح الضريبي ، مؤكدا أن كوريا واحدة، وأن الشمالية كانت أغنى من كوريا الجنوبية ، وفي سياق مختلف ، طالب الأكاديمي الكوري الجنوبي الدول التى تتلقى مساعدات كورية باجراء الاصلاح الضريبي..والاستفادة من الخبرة الكورية في هاذ المجال ، لافتا أن هذه هي أول نصيحة أمريكية لحكومة سيئول..
أما مسؤول شئون تخطيط سياسة الوحدة في وزارة الوحدة بسيئول " ايم بيونغ تشول"، فأكد أن حل أزمة كوريا الشمالية يعد من أولويات كوريا الجنوبية ، شارحا عن حوادث اطلاق النار على الحدود بين الشطرين منوها أن وضع الكوريتين سيء هذه الأيام ، لكنه أكد التزام بلاده بالتطبيع مع كوريا الشمالية لايمانها أن دولة الوحدة ستسهم في احلال السلام في منطقة شرق آسيا اضافة الى تعزيز السلم والازدهار العالميين ، لافتا أن الخارج لا يفكر بأمن الاقليم..
كما أوضح أن كوريا الجنوبية قدمت مساعدات كبيرة للشطر الشمالي ، غامزا من قناة كوريا الشمالية التى أجرت مؤخرا تجربة نووية ، ما يقلق الجنوبيين كثيرا ، مطالبا باتباع سياسة الاحترام المتبادل بين الشطرين وتعميق التعون المشترك.مؤكدا أن سياسة بلاده تهدف الى وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية ، وتؤيد الحل السلمي ، وأن لديها الحل الكفيل بردم الهوة بين الشطرين.
وقال أن العلاقات بين الشطرين هذه الأيام مجمدة ، مضيفا أن كوريا الشمالية تستفز جارتها الجنوبية وتطرد الموظفين الجنوبيين من مجمع" كيزون " الشمالي المشترك ، وتحويل ملكيته لها ، منوها الى الاعتداء على البارجة العسكرية الجنوبية شينوان عام 2010 وشطرها الى نصفين لكنه أكد اصرار بلاده على الحوار واتباع سياسة المرونة تجاه الشطر الشمالي ، بيد أنه كشف أنهم يمنعون الشماليين من زيارة كوريا الجنوبية بسبب هذه الاستفزازات ، رغم أنه تم انجاز لم شمل العائلات ، الذي توقف هذا العام.
وتحدث عن رفض الشمالية قبول مساعدات الشطر الجنوبي للمساعدة في مواجهة الكوارث الطبيعية الناجمة عن الأمطار الغزيرة ، مؤكدا أن الرئيس الكوري الشمالي غير متعاون مع سيئول رغم معاناة بلاده المالية.
وقال أن الشباب في الشطر الجنوبي غير معنيين بالوحدة بخلاف كبار السن ، مضيفا أن التحضير للوحدة يتطلب موافقة الشعب.
وأوضح أنه لا يوجد سفارات بين الشطرين لكن الاتصالات تتم عبر الفاكس والهاتف ، ويتبادلون الآراء عبر وسائل الاعلام ، منوها الى وجود ضريبة الوحدة ودعا الى تأسيس صندوق خاص لها لجمع 55 تريليون وان ( 55 مليار دولار أمريكي) ولا يوجد فيه سوى 44 مليار وان ( 44 مليون دولار أمريكي) كما بين حاجة الوحدة لقانون رسمي..
ولدى وصولنا الى المنطقة منزوعة السلاح على الحدود بين الكوريتين إستقبلنا ضابط أمريكي ، وقام بالتشييك على أوراقنا الثبوتية حتى أن الكوريين الجنوبيين لم يسلموا من ذلك ، ورافقتنا سيارة جيب أمريكية الى المقر الرئيسي لقوات الأمن المشترك ، وقدم لنا ذات الضابط الأمريكي شرحا وافيا عن الوضع في تلك المنطقة ولا حظنا أن مهمة الجنود الكوريين الجنوبيين هناك هي أداء التحية للضيوف.
كانت المسافة بين منشآت الشطر الشمالي والجنوبي بضعة أمتار وشوهد جندي شمالي واحد يحرس المبنى التابع للشمال ، في حين كان يقابله العديد من الجنود الكوريين الجنوبيين بجانب المنشأة الجنوبية ، وطلب منا عدم الاتيان بأي إشارة ، ولاحظنا العلامات البيضاء على حدود الشطرين اضافة الى مكبرات الصوت ، وكان هناك مبنى يطلقون عليه اسم متحف السلام ويتبع الشطر الشمالي ، كما أن أبراج المراقبة كانت تنتشر على حدود الجانبين وكذلك الأضواء ، كما لاحظنا برجا في المنطقة الشمالية يعمل مكبرا للصوت وقيل لنا أن الشماليين يخاطبون الجنوبيين بقولهم تفضلوا الى كوريا الشمالية لأن الجنوبية سيئة..
وقيل لنا أن كوريا الشمالية تعطل الاتصالات حتى لا يتم الاتصال مع الشماليين ، إضافة الى أن الطرق الى كوريا الشمالية مقفلة منذ العام 1968 ، كما أن المزارعين الجنوبيين في منطقة الحدود معفون من الضرائب..