رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء
30-11-2007 02:00 AM
سيدي الرئيس
إنك تجلس على كرسي الرئاسة المتحرك والذي جلس عليه غيرك سابقا وودعه تاركا و راءه تاريخا يحكيه بخيره وشره وحلوه ومره ،وسيجلس عليه سواك لاحقا مع مر الأيام وتوالي الأعوام ، وقد وصلت إلى ذلك باردة ملكية بعد أداء اليمين الدستورية بتولي المسؤولية في هذه المرحلة التارخية بأن تكون رهن إرادة مولاي المعظم داعيا الله العلي القدير أن يمكنك وزملاءك الوزراء من النهوض بالواجب والتصميم على ترجمة وتوجيهات كتاب التكليف السامي الذي عهد فيه إليك إلى تشكيل حكومة تضطلع بأمانة المسؤولية،والإردة وترجمة الخطط والبرامج وتنفيذها وذلك لتحقق للمواطنين الاردنيين مايطمحون إليه من الآمال وتخفف عنهم ما يعانونه من الآلام ، قدر وسعك ومبلغ جهدك ، فاحكم بيننا بالعدل وأدر شؤوننا كلها بالإحسان،ووال البطانة الصالحة التي تصدقك القول مهما كان ، وتسعى لبناء وطنها ، وتجنب البطانة السيئة التي تتزلف إليك –أحيانا- بألسنة من العسل عن واقع قد يكون أمر من الحنظل ، لحاجة في نفس يعقوب أو اتباع هوى أو تبجحا بالباطل مقابل لقيمات أو مناصب ، فما أجمل الحق مهما كان وممن كان القائل !، وما أقبح الباطل مهما كان وممن كان القائل ! فضع ثقتك فيمن يكون في إخلاصه لك كنفسك ، وكرم المخلصين لهذا الوطن ، وارفع مقامهم، وشاورهم في الأمر، فإنك إن فعلت كنت القوي الأمين الذي ستتقدم به البلاد أشواطا..وأشواطا..إلى الأمام ، وستتحدث عنك الأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز وتجعل لك لسان صدق في الآخرين.
سيدي رئيس الوزراء
إن هناك إنجازات كبيرة تحققت وحتى الآن لايمكن تجاهلها أو نكرانها والحفاظ عليها من أعظم الإنجازات وأقدس المهمات ، ولعل أغلى هذه الإنجازات وأثمن تلك المكاسب التي لاخيار في الاحتفاظ بها وتدعيمها سبيلا لرفعة الوطن وتقدمه المسلسل الديمقراطي وإشاعة الحريات السياسية والإعلامية ،وفتح الباب أمام الرأي المقابل للاستفادة منه فعند ازدحام العقول يتجلى الصواب ، فسيادة الصوت الواحد في جوقة واحدة لايفي بالمطلوب ، ولا يلبي المرغوب ، وتكميم الأفواه وغلق باب الاجتهاد السياسي والثقافي والفكري ومصادرة الآراء المخالفة من أكبر مظاهرالاحباط والظلم التي لا تجلب إلا الخراب والدمار لذويها ولشعوبهم.
إن جلالة الملك ومنذ تسلمه الحكم يسعى جاهدا للنهوض بمستوى الإصلاح السياسي إذ استعمل عبارة التنمية الحزبية بدلا من التنمية السياسية مما يعكس الرغبة الملكية في تطوير الأحزاب والدفع باتجاه تشكيل أحزاب فاعلية لها برامج لتكون بذلك عصب تطوير الحياة السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية وتنمية الحياة الحزبية على فتح باب الحوار والتواصل في إطار من الديموقراطية والإحساس بالمسؤولية
إن جلالة الملك يسعى جاهدا للنهوض بمستوى الإعلام الإردني مع حرية تبلغ عنان السماء مذكرا ، بأن جلالة الملك يرفض على الدوام أن يكون الإعلام للحكومة أو لأشخاص ، وينادي بضرورة أن يكون إعلام دولة وأن لا يكون دعاية لأعمال الحكومة ، وأن هذا ما يسعى إليه جلالة الملك عبدالله الثاني ؛ حتى تكون هناك حكومة تتقبل النقد الموضوعي لمصلحة الوطن بعيدا عن المصلحة الشخصية ، ويأخذ في الاعتبار الرأي والرأى الأخر ، ويسهم بصدقية ومهنية بنهظة الإردن الى مرحلة التنفيذ الفعلي والانجاز انطلاقا من الرؤية الملكية في ظل التطورات التي يشهدها قطاع الإعلام بثورة المعلومات .
إن الأموال الكثيرة والأرقام الكبيرة التي تخصصها الدولة ، لإقامة وإنشاء المنشآت العامة الكبرى وتمويلها ورعايتها ، تكلف الميزانية الوطنية وتنوء بها - ربما تسير أحيانا - عبر خطوط متعرجة ونوافذ متعددة - إلى غير ما خصصت له في غياب المراقبة والمحاسبة ، وتتحول بطريقة أو بأخرى إلى شبه ممتلكات شخصية ولو سارت وفق ما رصدت له ؛ لأفادت العباد والبلاد ، وغيرت وتيرة سير النمو البطيء في بلدنا العزيز.
وبناء عليه فإن مبدأ المحاسبة والمساءلة في الأمور المالية أمر لامناص منه ، ولا تستقيم الأمور بدونه ، فلا بـدّ من أن يقال للمحسن أيا كان وأيا كان منصبه أحسنت وللمسيء أسأت لتحقيق اهدافها في مكافحة الفساد بكل أشكالة ومعاقبة مرتكبيه بدون هوادة ومعالجة جميع الثغرات والاختلالات التي تؤدي لوقوعه ، ومعالجة الفساد بكل جدية وعزيمة ، والكشف عن مرتكبيه من تجار ورجال أعمال الذين يتهاونون ويتلاعبون بقوت المواطن ، والعمل على رقابة جودة المنتجات الغذائية المستوردة الفاسدة واحالت مستورديها الى الجهات القضائية المختصة ، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يقوم بأعمال دنيئة لتشويهه وطننا الحبيب …وتلك رسالة واضحة الحروف لمن فكر وقدر وألقى السمع وهو شهيد .
إن محاربة الفساد والحرص على النزاهة والعدالة والشفافية أولوية وطنية يجب الحرص عليها وتكريسها ؛ لتشجيع الاستثمار والمحافظة على المال العام لتحقيق الأهداف التي ضمنها جلالة الملك بكتاب التكليف السامي
فما أروع أن تحصن الأموال العامة بسياج مكتوب على بابه بالخط العريض الصارم القولة العادلة المأثورة التي لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم جميعا ، ولو طبقت لوصلت الحقوق إلى اصحابها كاملة وهي:
(من أين لك هذا؟ ) وتلك –وحدها- هي الضمان الوحيد وصمام الأمان لوصول الممتلكات العمومية إلى مواردها الحقيقية وإيصالها إلى مستحقيها دون تطفيف أو ظلم ، فليس من المقبول أن يظل النهج السائد إشاعة الغل من المال العام والانتقال من الفقر- المدقع أحيانا –إلى الثراء الفاحش بين عشية وضحاها ، لا بمجهود جبار أو إنجاز متميز ولا بالعثور على خاتم سليمان ، وإنما من التربع على إحدى الدوائر العامة لفترة مهما قلت ، كما أنه ليس من المقبول كذلك زيادة الأغنياء ثراء ولو بغير حق شرعي ؛ فيما يزداد الفقراء بغير حق شرعي.
فمراقبة التسيير الإداري والمالي بدقة وحزم ومحاسبة المسيرين والمسؤولين عند القضاء منطلق لمواصلة البناء ، وحماية المكاسب في بقاء الاردن مثالا للنزاهة والشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص والمحافظة على المال العام وتحقيق العدالة كما يريد لها جلالة الملك عبدالله الثاني .
سيدي الرئيس
في مجال التعليم ندرك جميعا قيمة العلم والمعرفة التي لا تتكامل ماهية الإنسان إلا بها ، فبقدر ما يزدهر التعليم ويرتقي ترتقي الأمة وينصع جبينها وتهنأ حياتها. لذا فمن الضروري النهوض بالقطاع التربوي والتعليمي في المملكة لامتلاك منظومة من الموارد البشرية قادرة على تزويد المجتمع بخبرات تعليمية في تحقيق التنمية المهنية و الاقتصادية المستدامة . ايضا ضرورة تنفيذ برامج جديدة لتطوير التعليم والبنية الفكرية للطلبة بما يتطلب من الحكومة الاستمرار في التنمية المهنية وتطوير البناء المدرسي ومرافقة لإحداث نقلة نوعية في التعليم
إن كتاب التكليف السامي ركز على ضرورة تطوير نظام تربوي إردني ، عماده التميز يستجيب لكل من الحاجات الراهنة والمستقبلية ويمكن جميع مواطنيه من الحصول على فرص التعلم مدى الحياة والمساواة في تقديم الخدمات التربوية انسجاما مع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني.
ومن هنا فإن إصلاح أوضاع التعليم وتثبيت أركانه عامل أساسي في استقرار أوضاع الأمة ، ويحتاج إلى مراجعات متعددة وكثيرة وخاصة في الجانب المادي ، بدءا بالمباني مرورا بالمناهج وانتهاء بالرواتب.
في مجال الصحة أضحت المؤسسات الصحية الحكومية شحيحة العطاء وسيئة الأداء وغالية التكاليف ، فموازنة بسيطة بين معدل الرواتب وأثمان الأدوية يعطيك انطباعا أن أي إنسان تعرض لوعكة صحية تحتاج مصروفا يتحتم عليه البحث عن البدائل الناجعة لزيارة المستشفى أوالصيدلية ؛ لأن هذه الزيارة قد تكلفه مالا ، فثمن أي دواء مهما خف قد يعادل الراتب أوضعفه بالنسبة للموظفين ، أما العاطلون عن العمل والمساكين والضعفاء – وهم أغلبية المجتمع - فما عليهم سوى التكلف الزائد أو الاستسلام للواقع والبحث عن البدائل الأخرى من أعشاب وترياق ، وحتى حينما يطرق المريض المسكين أبواب تلك المؤسسات الصحية تحت وطأة الضرورة فإن استقباله – ولو في حالات حرجة جدا - يتطلب ميزانية ربما لاتسعفه بها يده الفقيرة ، وأحيانا يكون التأخر في العلاج له مضاعفات وخيمة فإذا لم يجد الشفقة من الأطباء والممرضين ومراعاة خصوصياته فلتبك عليه البواكي وليترحم عليه ذوو القربى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون من غياب كثير من الخدمات الضرورية من عناية وهدوء ونظافة ، ولايمكن للمستشفيات الخاصة في ظل غلاء الأسعار أن توفر البديل للمواطن الضعيف عن المستشفيات الحكومية مع ما تتميز به من عناية خاصة للمرضى مما يجعل روادها ينتمون لفئة معينة تلق هناك من الخدمات ما ترى أنه أكثر ملاءمة من سواه ، ومن هنا بات لزاما النظر إلى هذا القطاع الحساس بعين إنسانية ورؤية وطنية ؛ ليؤدي المهام النبيلة المنوطة به على أكمل وجه ، ومراقبة تسيير ميزانيته وفق الضوابط المنصوص عليها قانونيا ، فكتاب التكليف السامي للحكومة تضمن محاور رئيسية من شأنها رفع سوية العمل الطبي والمستوى الصحي ، لا سيما أنه يشكل دعما لخطط الوزارة في تنفيذ مشروعاتها التي تستهدف مظلة التامين الصحي والنهوض بمستوى خدماتها في المملكة
أحبّــر هذه السطور وكلي رجاء أن تجد صدرا رحبا وأذنا صاغية وقلبا واعيا خاصة وأنها تبوح بمكنون أكبر بكثير من هم شخصي أو مطلب خصوصي ، وتعزف على أكثر الأوتار حساسية في الهم الوطني ، وفقكم الله لما فيه صالح الوطن والمواطن والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
akthamkkk@yahoo.com