جرى الإفراج ـ بالكفالات ـ عن معظم معتقلي الحراك، لكن ما زال عدد منهم قيد الحبس ممن لم يرتكبوا اعتداءات مادية. المفرَج عنهم ما زالوا غب المحاكمة. لكن مساعي مرشحين على قائمة " أبناء الحراثين" الشبابية للحصول على عدم المحكومية، فاجأتنا بأنهم، برفقة العشرات من شباب الحراك، ما زالوا مطلوبين للتوقيف من قبل محكمة أمن الدولة.
لقد جرى حل معظم المشاكل المرتبطة بمرشحي القائمة، جراء تدخلات سياسية مشكورة، لكن ما زال العشرات من الشباب في حالة اختفاء عن أعين الجهات الأمنية التي لديها أوامر اعتقال وجلب بحق هؤلاء الشباب. وقد جرى اعتقال بعضهم بعد أيام من إعلان الملك عبد الله الثاني الصريح ليس فقط بالإفراج عن المعتقلين، ولكن بطي صفحة الاعتقال السياسي نهائيا.
والمعتقل السياسي هو الذي يتم اعتقاله جراء تعبيره بالكلمة أو بالبيان أو بالتظاهر السلمي عن رأيه. وهؤلاء لا يجوز اعتقالهم البتة، كونهم يمارسون حقوقهم الدستورية، في ظل سيادة القانون.
لكننا وجدنا أن الصديقين، علاء الفزاع ومحمد السنيد، كانا مطلوبين بتهم عديدة لا علاقة لها بأحداث تشرين الماضي، وهما مجرد اثنين من عشرات تم تسطير لوائح اتهام بحقهم بأثر رجعي، فيما يشبه الانتقام لمشاركتهم في نشاطات جماهيرية سلمية خلال عامي 2011 و2012. وهو ما يدل على وجود قرار بالانتقام من نشطاء الحراك الشعبي، وتحويلهم، جميعا، إلى متهمين.
هذه هي الاستراتيجية المتبعة، كوصفة وهمية لإنهاء حراك شعبي وطني أصبح مُجمَعا على كونه المحرك الرئيسي للتغيير في البلاد. ولا يجوز استخدام لغتين مع الحراك؛ تمجيده ومطاردة عناصره.
المفارقة الأساسية في ملفات المطلوبين أن معظمهم من العناصر الوطنية الديموقراطية التي نأت بنفسها عن الشعارات والأعمال المتطرفة، بينما يبدو أن قوة ما تحمي الغلاة من عناصر خلايا التأزيم. ونحن، بالطبع، نريد إغلاق الملف كله. لكننا نتساءل فقط لماذا يتم التركيز على العناصر الوطنية الديموقراطية والتقدمية والسلمية بالمطاردة الأمنية والقضائية.
ما أشهد به ـ للإنصاف ـ أن الاستراتيجية الأمنية في التعامل مع الحراك الشعبي طوال سنوات 2010 و2011 و2012، كانت تعتمد مبدأ الأمن الناعم، والتدخل ضمن الحد الأدنى، وبمرونة وحكمة. هل انتهت هذه الاستراتيجية؟
وأريد التوقف، هنا، عند أحداث تشرين الماضي. وهي نشبت بسبب قرار حكومي خاطئ ومتعجل وغير محسوب العواقب الاجتماعية والسياسية. وكانت ردة الفعل الشعبية العنيفة، متوقعة، وحذرت منها جهات أمنية كان لها تحفظ عقلاني على قرار زيادة الأسعار أصلا. فهل تتم معالجة خطأ القرار الحكومي بالحل الأمني؟ أم تتم محاسبة رئيس الوزراء على تعنته.
كان لدي ـ وما زال ـ اعتقاد بأن حكومة عبد الله النسور، أرادت فرض قرار متسرع من دون دراسة وافية وتدرّج قاصدة إحداث الصدمة، لتعرقل العملية الانتخابية. وقد نجحت جزئيا بذلك. لكن مصلحة الدولة الأردنية العليا تتطلب اليوم تنفيذ ما وعد به الملك:
ـ طي صفحة الاعتقالات والملفات الأمنية للحراكيين، وتوطيد الحق الدستوري بالتظاهر السلمي والاعتصامات السلمية.
ـ خفض سعر أنبوبة الغاز حال قيام مصر بإعادة الضخ الاعتيادي للغاز المخصص لإنتاج الكهرباء، ما يعني خفض فاتورة النفط المستخدم لهذا الغرض، ووجود فرصة فعلية للتراجع عن قرار مؤلم ومتسرع.
هذان الإجراءان لا يحتملان التأخير كونهما حقا أولا، وكونهما يساهمان في انفراج سياسي عشية الحملات الانتخابية ثانيا.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم