على باب الوزير .. د فيصل غرايبه
22-12-2012 07:08 PM
د.فيصل غرايبه ـ أتذكر أن الوزير حتى منتصف الستينيات كان يكتفي بوجود حاجب أو مراسل يقف أمام مكتبه ينظم دخول المراجعين،بعد أن يسأل القادم عن اسمه ليسمعه للوزير ليأذن له بالدخول، وأتذكر أنه لم يكن يصرف سيارة للوزير من الوزارة حتى منتصف السبعينيات، إنما يستخدم سيارته الخاصة، مكتفيا بوضع لوحة الرقم الوزاري والتي يعيدها إلى الوزارة بعد خروجه منها.إلا أن الأحوال قد تطورت فصار للوزير وكذلك للوكيل سكرتيرة، وما لبث الأمر أن تطور فأصبح هناك مكتبا للوزير له مدير وفيه عدد من الموظفين ومن ضمنه السكرتيرة وأكثر من حاجب، وكثيرا ما يحتل مكتب الوزير شقة كاملة من بناية الوزارة لضم كل ذلك الطاقم وقاعات الاجتماعات والانتظار.
لا أسرد تلك الذكريات على سبيل الانتقاد لما جرى لاحقا مما ترتب عليه تكاليف كبيرة من خزينة الدولة، أو مما يحصل فيه من توسع في الأمور الشكلية، والتي لا تسهم في تطوير العمل ولا تزيد من الإنتاج، حتى لا ينبري أحد للدفاع عن مثل هذه المنجزات، والتي سيعتبرها عنوانا للتطور ودافعا للتقدم، ولكنني أسوق مثل هذه الإجراءات التي تتعلق بجانب شخصي بحت في جزء كبير منها،والدليل أن عددا من الوزراء المتعاقبين و الوكلاء/ الأمناء المصاحبين قد أقدموا على تقليص حجم الطاقم في مكتبهم وخففوا من مظاهر الأبهة فيه، ولم يتأثر العمل سلبا ولم يختلف الإنتاج نوعا عن قبل.
أصرف النظر عما سبق الإشارة إليه، وأنوه إلى ما خلقته تلك الأجواء في مكتب المسؤول من "خصوصية"، تلك الخصوصية التي أخرجت تصرفات المسؤول وتعليماته وقراراته عن خطها الرسمي المعروف – في بعض الأحيان— وخاصة عندما تأخذه العزة بالإثم، فيميل إلى تجاوز القوانين والأنظمة أو يتجاهل الأعراف والحدود الثقافية أو حتى يخرج بقراراته عن حدود صلاحياته، فيقع بالمحظور ولا بد أن يأتي يوم للمكاشفة وكشف المستور، وخاصة إذا ما جوهر به تحت قبة البرلمان أو وصل بطريقة أو بأخرى إلى وسائل الإعلام، وخاصة الفضائية منها.
وما دمنا نسمع كثيرا الآن، ونرى بصورة أقل، ونلمس أحيانا خطوات إصلاحية جادة، تؤكد على "العلنية" وعلى "الشفافية" وعلى "المكاشفة"، فان ذلك لا يسمح بأن تكون هناك خصوصية في القرارات والإجراءات والتعليمات لأي مسؤول ما دام يؤكد – هو نفسه- أنه يحمل هموم الوطن والمواطن ويجد ويجتهد لصون المصلحة العامة، ويقتضي الأمر أن يظل باب المسؤول مفتوحا ولا يظل من يطلب مقابلته ينتظر مكالمة موعودة من السكرتيرة،لاستدعائه لمقابلة ذلك المسؤول، إلى أن يترك ذاك المسؤول موقعه.
كما يستوجب الأمر أن لا تظل القرارات والتعليمات والإجراءات محصورة ضمن قلة قليلة من الموظفين يحيطون بالمسؤول ويضعونها طي الكتمان، هذا إن لم يكونوا أكثر تطوعا في التلفيق والتكاذب على مسامع المسؤول، وأكثر جرأة في التجني على الآخرين والمغالطة بحقهم وتشويه سمعتهم أمام هذا المسؤول، الذي أقنعوه بأن لا أحد غيرهم غيور على المصلحة ومواظب على العمل ودؤوب في الإنتاج وأكثر ترجمة لتطلعاته وآماله في الرقي بعمل الوزارة أو الدائرة وجعلها في مقدمة الصفوف، مما يرضي الآخرين ممن يحرص على كسب رضاهم ونيل ثقتهم و يكسبه سمعة طيبة في أوساط الناس، تلك التي يعملون على تحسينها عبر وسائل الإعلام المختلفة التي يستقدم ذاك الطاقم المحيط بالمسؤول مندوبيها ليعملوا– هؤلاء المندوبين-على إلقاء الأضواء على شخص المسؤول وإخراج صورته وصوته على نحو يرضي غروره ويوهمه بأنه صاحب انجازات كبيرة مبهرة. .
د.فيصل غرايبه
dfaisal77@hotmail.com