عقدة ترتيب الأسماء ضمن القوائم الوطنية لمرشحي الانتخابات النيابية المقبلة هي الأبرز في الجدل الدائر حاليا. وتخبو أمام هذه الأولوية أي هموم أخرى أو ملفات يهتم بها الشارع الأردني المتعطش لإيجاد حلول لما آلت إليه أوضاعنا المعيشية.
الترف السياسي في مواجهة أزمة اقتصادية متدحرجة، هو العنوان الأبرز قبيل الانتخابات. لكن من قال إن الأسماء أولوية بالنسبة لناخب يبحث عمن يحسن شروط حياته؟ ويقف هنا سؤال البرامج والخطط الاقتصادية، والأفكار اللازمة لتجويد طرفي الرقابة والتشريع أمام كل ما يحدث حاليا من تقزيم لحقيقة المعاناة، بما في ذلك تخطي الأصوات المطالبة بالإصلاح الاقتصادي.
حتى القوائم التي تقول إن أشخاصها يحملون فكرا اشتراكيا ويساريا انزلقت إلى ذات الترف، وخاضت وما تزال مناكفات داخلية بقصد تقديم هذا الاسم على ذاك، وسط غياب مقصود في هذه الفترة لأولوية الهم الاقتصادي والمعيشي. وفي ظني أن الناخب يحتاج إلى من يقوده إلى طريق تسهم في حلحلة أزمتي الفقر والبطالة، ويساعده في صناعة غد إنتاجي أفضل، بما يحسن مداخيله ويقوي من قدرته على مواجهة موجات الغلاء المتزايدة.
في العام 2010، غاب الحوار الجاد قبيل الانتخابات بشأن الموضوعات الاقتصادية، ولم تكن هناك قوائم وطنية. لكن مجلس النواب السابق كان أقرب إلى ناد لقوى لا تجمعها روابط السياسة والاقتصاد، فضاعت تبعا لهذا المشهد حقوق ذات صلة بتفاصيل الهم الاقتصادي، ونتجت تشريعات لم تغير في الواقع كثيرا، بل زاد بعضها في تعقيد المسار الاقتصادي. وما يزال المواطن ينتظر ما يفيد مصلحته المباشرة؛ سواء في تصاعدية الضريبة أو قانون المالكين والمستأجرين، وغير ذلك من قوانين تمس حياة الناس، فضلا عن عقلنة مفقودة لقرارات تؤدي إلى ترك المستهلك في مهب الأسعار العالمية.
المفارقة أن الاجواء التي يمر فيها ناخبو ومرشحو الانتخابات المقبلة تنطوي على تحديات اقتصادية بالغة الخطورة، لكن لدى المرشحين الكثير من ترف ترتيب الأسماء، ورمي كل التحديات الاقتصادية خلفهم. ولم يسبق لأي تيار سياسي في البلاد، معارض أو غير معارض، أن مهد لحوار اقتصادي هدفه الوصول إلى توافق حول مشروع حقيقي ينقذ الدولة مما تراكم في أزمة عنوانها اقتصادي.
إذا كان المرشحون لا يصغون لنبض الشارع وإرهاصاته، وإذا كان عامان من المطالبة بالإصلاح لا يكفيان لتركيز الحديث والجدل والحوار اليوم على الهم الاقتصادي، فمتى إذن سيستمع الشعب إلى نخبة تدافع عن مستقبله وأمنه ومعاشه؟
بعيدا عن الشللية والمناطقية والعلاقات الضيقة، كان الأولى بمن يتأهب للانتخابات أن يثري النقاش بالحديث عن ملفات الضريبة ومكافحة الفقر والبطالة، والعلاقة مع صندوق النقد الدولي، وإيجاد المخارج لأزمتي عجز الموازنة وتفاقم المديونية. والبدايات تؤشر على النهايات؛ فمن ترف الحالة الراهنة لا يمكن أن ينتج ما يساعد على الحل. ولا فرق هنا بين من يحمل اسما ولونا وفكرا سياسيا، وبين من يقول عن نفسه إنه مستقل أو حتى مستند إلى عشيرته ومنطقته؛ فالكل يتحرك بمسار شخصي وفردي، والكل أيضا معني بأن يكون على رأس القائمة، ولكن ليس على رأس أولوياته مناقشة الهم الاقتصادي.
(الغد)