فايز يكتب في الذكرى الثامنة لوفاة والده روكس العزيزي
22-12-2012 01:29 AM
عمون - فايز بن روكس زائد العزيزي- ولد روكس العزيزي في مادبا سنة 1903 وتوفي في عمان سنة 2004 فقضى قرنا من الزمان في هذه الفانية مكرسا جل حياته للتربية والتعليم ...، فيقول: لقد كرمني الباري عز وجل بأن أقضي حياتي كلها في تعليم اللغة العربية التي شرف الله قدرها، وفي صناعة الكلمة... ومع أني عرفت طرق الثروة وسبل إكثار المال الحلال فإن عشقي لهذه اللغة الشريفة والكلمة الممتعة نحاني عن عالم التجارة وطرق جمع الثروة فأبدلني بأكياس الأوراق النقدية في البنوك والخزائن الحديدية بما هو أثمن وجعلني
أكدس أوراقا بها ذوب مهجتي
وأسهر حين الناس في الليل نوم
أبيع تراثي كي أسدد حاجتي
وأخفي عن الأحباب ما كنت أكتم
ويسعى أناس كي أغيب في الثرى
وينقذني الرحمن والله أكـــــــــرم
وما جعلني أذكر ذلك أن أكثر الناس يعتقدون بأن روكس العزيزي كان ثريا وما تجدر الإشارة إليه أن تفرغه التام للتعليم في المدارس الخاصة بالإضافة للتأليف وجمع التراث الاردني وهو في تلك السن المبكرة بالإضافة لاهتمامه بحقوق الإنسان لكونه الممثل للرابطة الدولية لحقوق الإنسان ، ونصير المرأة وحركات تحررها من الاستعباد...
كل ذلك لم يجعل جمع الثروة من أولوياته ، فلنسمعه يقول: أبدلني الله بالمال والثروة أوراقا فكتبت عليها بالمداد حينا وبدمع العين ودماء القلب أحيانا ورغم أن مؤلفاته تفوق الستين عددا فإنه لم يكن يعتمدها كمصدر للرزق فيتبرع بحقوق الطبع لبعض كتبه مثل كتابه علي بن أبي طال أسد الإسلام وقديسه لأبناء شهداء الجيش العربي الباسل كما يمنح أحد اسباطه حقوق الطبع... لكتبه المطبوعة حتى تاريخ وفاته بما فيه المعلمة والقاموس ووهب مذكراته للدكتور أسامة يوسف شهاب.
إن تكريسه جل وقته واهتمامه للتراث الاردني ومراسلة الادباء في جميع انحاء العالم كان على حساب بيته وراحته الشخصية وموارده المالية على قلتها مما جعله بعد نهب بيته في القدس سنة 1948 وعودته الى عمان... صفر اليدين حتى من الوظيفة ومن مؤلفاته المخطوطة كنزه الحقيقي الذي كان يفتخر به. أما ما ورثه من العقار عن والده في مادبا وكان عزيزا عليه وثمينا ، إنما كان العلم في نظره هو الرمز المقدس والذي في سبيله يهون كل غال فيسجل أولاده وبناته في ارقى المدارس الخاصة بفلسطين وكذلك فعل... بعد عودته إلى عمان.
كان روكس العزيزي وهو ذلك الهرم الضخم وتلك الدوحة الباسقة متواضعا عفيف القلم واليد واللسان لا يستعمل "العصاة أو المبيدات الحشرية" لصد المتعربشين على دوحه فثمار فكره لا تطالها اصابعهم .. إنما هي ثمار يانعة مشاعه لايدي العلماء الطاهرة . " فاللجام" بيده جاهزا والنقد عنده علم دقيق ومعرفتة واسعة وثقافته تمتد في كل اتجاه فكتابه فريسة أبي ماضي والشرارات من هم وغيرها انما هي الاضواء الكاشفة لما دار او يدور في الخفاء من ظلم الناس للناس فيكشفهم بلا هوادة للملأ ... لا يخشى في الحق لومة لائم ويقول: أن للنقد الأدبي أصول مرعية ويجدر بالأديب الحق أن يلتزم بها. كيف لا وهو القاضي العادل في كل خلاف لغوي واللغة العربية ميدانه الرحب فهو فارس الكلمة والذي لا تشوب جواده شائبة ولم يكبو به أبدا.
كان العزيزي عضوا في أكثر من مجمع علمي في الاردن وفي البلاد العربية بل وفي الغرب والمهجر .
ينقد قاموس المنجد الشهير والمعتمد عالميا. ويستشيره العلماء مثل شيخ العروبة أحمد زكي باشا من مصر والمجدد الكبير أحمد زكي ابو شادي المصري المولد والمقيم في نيويورك . والعلامة حجة الادب انستاس ماري الكرملي من العراق وقد كانت له امتن العلاقات الادبية بالفيلسوف المهجري ميخائيل نعيمة وصاحب جريدة السائح عبد المسيح حداد التي تصدر في نيورك وبفيلسوف اللغة العربية "المستشرق م. ج كلاوس" الذي وصفه بعد الإطلاع على القاموس والمعلمة بالمرجع الخالد وكذلك كانت علاقته الحميمة بالدكتور يوسف شلحد رئيس المجمع الوطني للبحث العلمي وأستاذ الأدب العربي في جامعة السوربون الجديدة. وبالدكتور روجر بلدون رئيس الرابطة الدولية لحقوق الإنسان. والدكتور آرب سارجنت استاذ اللغة العربية في جامعة لندن. وعشرات العلماء في مختلف ارجاء العالم!!
أما في مجال الشعر فللعزيزي قصائد رائعة يمكن جمعها في ديوان بالإضافة لديوانه " جمد الدمع" والذي جاء فيه ما يمنح المرأة الفاضلة أروع شهادة في كل ميدان تطرقه..... وهذا ما أهداه للمرحومة زوجته الفاضلة "هيلانه بنت سليم باشا مرار العزيزات " من الرثاء.
والعزيزي الذي عمّر ما ينوف عن المئة من السنين يفتخر ويفاخر بأنه عاصر خمسة من ملوك الهاشميين وأنه كان مقربا منهم جميعا.
فيذكر في مذكراته تلك العلاقة برؤساء الوزارات ويبين ما كانت تربطه بهم جميعا من أواصرار الاحترام والمودة وكذلك بمعظم رجالات المملكة الاردنية الهاشمية ساسة واجتماعيين وعلماء وأدباء .
أما علاقته المميزة فكانت بالمغفور له بإذن الله جلالة المك عبد الله الاول وجلالة الملك الحسين وجلالة الملك عبد الله الثاني وسمو الامير الحسن بن طلال أطال الله في عمره وأعزه.
فكم كرم العزيزي في شيخوخته بزياراته المتكررة لمنزله ناقلاً تحيات المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين المعظم. فيبلغه سموه رسالة جلالته إليه " اطلب حاجتك ولا تتحشم فهي مقضية بإذن الله"، فيرد التحية بقصيدة جميلة ويقول:
حسبي سؤال جلالته عني وزيارة سموكم لي مؤونة تكفيني بقية العمر .... وأنا مكفي الحاجة والحمد لله.
فهنيئاً لنا بذكرى ذلك التكريم الملكي وما سبقه وتبعه من الأوسمة الرفيعة، وكل الشكر لعارفي فضله في ميادين الأدب والتراث والإنسانية والذين لم ينسوه في حياته وبعد وفاته فتابعوا آثاره (في حفظ التراث) بمذكراته والتي دون بها ما لم يدونه سواه من المؤرخين فحققها وجمعها وأخرجها للنور إبنه الروحي الدكتور أسامة يوسف شهاب في أربعة مجلدات تكملة لذلك الجهد الذي بدأه قبل فترة من الزمن وهي مجلدين في أربعة اجزاء بعنوان روكس العزيزي وجهوده في توثيق إعلام الأدب والفكر وهو ينوي بأذن الله تحقيق هدفه النبيل باتمام موسوعة العزيزي في التراث الأردني والتي قد تصل إلى عشرة مجلدات ضخمة بأذن الله.
وحول هذه المذكرات اسمحوا لي أن أبين تعريفاً مفصلاً بها وبما عاناه وعانيناه معه فالدكتور اسامة جاهد بمسعاه النبيل، وفيما يلي نبذه حول مذكرات العزيزي وما واجهه ابنه الروحي د. اسامة يوسف شهاب من عقبات في إخراجها للنور، فهذا الجدول يبين عدد صفحاتها عدا الملاحق:
رقم المجلد
العنوان
عدد الصفحات
الأول
مختارات من رسائل روكس بن زايد العزيزي
800
الثاني
مختارات من رسائل روكس بن زايد العزيزي وتشمل الرسائل الإخوانيه والرسائل الأدبية ومن أوراق روكس بن زائد العزيزي
600
الثالث
رحلة حياة – وأيام عشناها
638
الرابع
من أوراق روكس بن زايد العزيزي
550
فمنذ ما يقرب السنة والنصف، استدعى معالي وزير الثقافة الأستاذ طارق مصاروه إلى مكتبه و برفقة الأستاذ اسامة يوسف شهاب فايز بن روكس العزيزي وابنته الإعلامية المهندسة الزراعية سمر العزيزي فرحب بنا ...
وبارك المشروع .... للإبن الروحي لروكس العزيزي والأخ والصديق اسامة يوسف شهاب ومنحه التفرغ العلمي المطلوب لهذا المشروع الضخم.
ولعل أغرب ما واجهنا من أمر ما رصد لهذا المشروع الضخم وهو لا يزيد عما ترصده الوزارة للمشاريع الصغيرة مثل:
الدبكة الشعبية أو الاغنية الشعبية أو كتاب لا تتعدى صفاحته التلاثمائة ولا تزيد نسخه المطبوعة عن الالفين.
وحتى هذا المبلغ اقتطع منه: " أربعماية دينار ضريبة ".
وبرغم ان هذه المذكرات تشكل ذاكرة وطن ويدونها علامة يستقبله جلالة الملك الحسين بكل تقدير بل ويقبل رأسه تقديراً للعلم ويلقبه بعميد الأدب الأردني ويمنحه الأوسمة الرفيعة.
وبعد كل هذا التكريم والتقدير من ملوك وامراء الهاشميين الأشاوس.... تهمل مذكرات العزيزي فلا يرى تاريخ الأردن غير المدون منذ عهد الأمارة بل ونضال رجالاته الأشراف منذ الثورة العربية الكبرى النور!!!!
إني أتأمل أن يعاد النظر في هذا الأرث الرائع لأنه يمثل كنزنا الحقيقي والثمين.... ولكنه لم يجد التقدير الواجب !!! حتى هذا التاريخ !!! فهل يكون ؟؟؟؟
لم يكن العزيزي يعاني من (السرملة) فطريقة واضح وهو نبيه، إنما ما أصعب السير في ومعارج الحياة الموحشة، فكيف يجمع تراث كاد ينساه الزمن ( وهو الهوية الوطنية وتاريخ الأمة المجيد )... أجل وبإمكانات تكاد أن تكون فردية وبرغم ما يُخْتَلق من العقبات والمصاعب، يتجاوزها أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة.
وكأني بأبي الطيب المتني يبعث حياً إذ يقول:
أنا الذي نظر الاعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
فهنيئاً للدكتور أسامة يوسف شهاب وللأب الحاني المرحوم أبي عادل و بعارفي الفضل من الاحبة واللذين ما زالوا يذكرونهم بالتكريم في كل مناسبة.
وختاماً اسمحو لي أن ألوذ بذكراه كالمتعبد في محراب الأدب والفن والذي لا يمل تكرار الشكر لمن شكرهم علينا وجب بهذه الأبيات:
عـــــــــــن لآليك غفلنـــــــــــا وقد جاد بالسحر الـــــــبيــــــــــان
قبس من نــــــــــور علمـــــك نبراس وفي راحـــــــــــتك جمــان
حياك رضــــــــوان وفـــــــي المحيا الإشراقة والحنـــــــــــــــان
رسالة وســجــــــل للحيـــــاة هام بسحرها الآنــــــــــــــــــــــــام
فيا مبدعاً للحرف مـــعنــــــاه لمرساك سيرنا الزمــــــــــــــــــان
فمنارة للعلم ومنبر فيهـــــــا وحكيم بالرشد أكمل الرحـــمــــــن
ومئزر للضاد فشهـــــــــــاب بســـحر البيان يعليــــــــه شــــــان
برائع الدر طوقه يــــــــــراع أبــــــــداع فـــــــي صنعه فنــــــــان
فالضاد جذلان والــــهــــــزار شدى، فمادت لشدوه الأغـضــــــان
فإن عز في الوجود صــديـق مـــــــــن بالوفـــــــا بك الرحـمـــــن
فيبعث التاريـــــــــخ حــيـــا فكريم من فيضه تطفح الشطـــــــان
فقضى الله بالذكــــــــــــــرى لتبقى سجلاً ناصعاً ما شابه نقصان
وعـــــــــن الســـاح لو غبت يوماً فلشهاب بعلمك أي شــــــــــان
يوقظ الكنار فيتحفنـــــــــــا روائع اللحن والصدى الـــــــــــرنان
فالبنور دونها أدامــــــــــــه المولى وبالورد أزهر البستـــــــــان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فايز بن روكس زائد العزيزي
عن عائلة العزيزي و أبنائه وبناته وأحفاده
وحفيداته الأحياء منهم والأموات