أعلن عدد من المدارس الخاصة نيّته رفع رسوم العام المقبل، لأسباب مختلفة. البعض تحدّث عن ارتفاع أسعار الوقود، ما ينعكس بالضرورة على نفقات المدرسة، وآخرون تحدّثوا عن كُلَفٍ أخرى؛ في الوقت الذي تباينت فيه نسبة رفع الرسوم بين 8 % إلى 35 %، ما خلق ردود فعل صاخبة للمرة الأولى من الأهالي، انعكست في الإعلام والمواقع الافتراضية، ووصلت إلى حدود الاعتصامات والاحتجاجات على الأرض.
الحلقة المفقودة في المشهد تتمثّل في غياب أي تشريعات وقوانين تحدّ من سلطات المدارس الخاصة وصلاحياتها في تعاملها مع الأهالي، وكأنّ هذه المدارس "مملكة خاصة" مستقلة عن وزارة التربية والتعليم، خارجة عن ولايتها. وأغلب هذه المدارس –إلاّ من رحم ربي- يتعامل مع الطلبة وأهاليهم وفق منطق الشركات الخاصة؛ أيّ "تسليع التعليم"، لكن وفق معادلة مختلة تماماً، تجعل من العقد بين الطالب وهذه المدارس أقرب إلى "عقد إذعان". وهو ما يمسّ حقوق ومصالح عشرات الآلاف من العائلات الأردنية التي تلجأ إلى المدارس الخاصة، مع اختلاف درجاتها، بعد التدهور الكبير الذي حدث في التعليم الحكومي، وعدم قدرته على تطوير مناهجه وأدائه ليتوافق مع التطور الهائل في عالم اليوم.
ليس صحيحاً أنّ أغلب المواطنين الذين يدرّسون أبناءهم في المدارس الخاصة يدفعون "فضلة" أموالهم، أو ما لا يحتاجونه منها، بل على العكس تماماً؛ فإنّ العدد الكبير للطلبة في المدارس الخاصة، وازدياد هذه المدارس، يؤكّد أن جزءاً كبيراً من أبناء الطبقة الوسطى، من المتدنية إلى العليا، ينفقون جزءاً كبيراً من دخلهم (ما بين 30-50 %؛ وهو رقم انطباعي بنسبة الرسوم إلى دخول الطبقة الوسطى) على هذه المدارس، ما يعني أنّ الإنفاق على التعليم (ما قبل الجامعي) يستنزف اليوم دخل الطبقة الوسطى، ويكسّر قدرتها على الادخار، ويصعّب من محاولتها التكيف مع الأزمة المالية والاقتصادية، وحالة التضخّم العملية.
هذه الحقائق تتجاوزها الحكومة تماماً، فيعلن رئيس الوزراء (يوم أول من أمس أمام كتّاب الأعمدة) عتبه على عدد من الكتّاب الذين لم يؤيّدوا قراره برفع أسعار المشتقات النفطية، بدون أن يتنبه لما يحدث اليوم –وسيحدث غداً- من ارتفاعات في أغلب السلع والخدمات، بأنّ المشكلة ليست فقط في الدعم، بل في غياب التشريعات والأنظمة والسياسات التي تشكّل جدار حماية للطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة، والمدارس الخاصة أحد الأمثلة على ذلك، والتي يمكن أن تُضاف إليها قطاعات متعددة في السوق والاقتصاد.
المسألة لا تقف عند تقصير الحكومات في توفير إحدى الخدمات الضرورية والأساسية للأهالي، بخاصة الطبقات الوسطى والفقيرة، وهي التعليم؛ بل إن الحكومات أيضاً لم تضع تشريعات تحمي هذه الطبقات، وتباطأت وتلكأت في ذلك، كما يكشف تقرير مهم لحركة "ذبحتونا" يرصد تصريحات وزراء التربية والتعليم خلال الثلاثة أعوام الماضية، والتي يؤكّدون فيها على أنّ إصدار نظام جديد للمدارس الخاصة وشيك؛ يحدّ من صلاحياتها في رفع الرسوم، ويضع تصنيفاً لها، ويمنح شيئاً من الحقوق للأهالي. إلاّ أنّ هذا النظام لم يخرج منذ تلك الفترة إلى اليوم.
لا يمكن أن نضع المدارس الخاصة جميعاً في حزمة واحدة، فهي متفاوتة في كل شيء؛ في الرسوم، وجودة التعليم، والأنظمة التعليمية المتبعة. لكن ما يحدث اليوم في مسألة رفع الرسوم يدفع بأبناء الطبقة الوسطى إلى ضرورة التفكير جديّاً في بناء قدراتهم للدفاع عن أنفسهم؛ ففي مواجهة "نقابة أصحاب المدارس الخاصة"، لماذا لا تكون هنالك "جمعية لأهالي الطلبة في المدارس الخاصة"، لإيجاد التوازن المفقود في المعادلة الاقتصادية-الاجتماعية؟
m.aburumman@alghad.jo
الغد