"قال حوار عربي صيني .. قال"
د. هاني البدري
20-12-2012 08:55 PM
بدت بطاقة الدعوة المُذهبة، وكأنها فتح جديد لعالم آخر من الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية، "تحت رعاية صاحب المعالي ندعوكم لحضور افتتاح أعمال الحوار العربي الصيني في قاعة الكريستال غير المسبوق لفندق الست عشرة نجمة، الذي يسم عاصمة البلاد بالتفرد بين عواصم الخلق ومدن العالم" و.. عفواً "الحضور باللباس الرسمي أو الزي التراثي على الأقل".
انتهت الدعوة الرسمية، وبدأت أولى جلسات منتدى الحوار العربي الصيني تحت عنوان "العالم العربي والصيني.. آفاق العمل المثمر في ظل الربيع العربي".
لعلها مناسبة جديرة بوصف القاعة الكريستالية المَهيبة التي وُضعت بإمرة الحوار المنتظر، حيث لا مكان للخطأ، ولا مجال للنقد حتى، فباقات الورد المنتشرة في المكان، واليافطات العملاقة التي تحمل لغتي الحوار العربي والصيني.. وبوفيهات الشاي و(الانجليش كيك) العامرة، والسكرتاريا النابضة بالجمال العربي الأصيل، وأنظمة الصوت والصورة التي لا تُرى إلا في برامج الـ(فويس وستار اكاديمي وطبعاً آربس غت تالانت).
اثنان وعشرون عربياً من صفوة الصفوة، يمثلون اثنين وعشرين بلداً عربياً.. أيضاً من صفوة الصفوة، واثنان وعشرون صينياً يمثلون الأمة الصينية الصامدة على خطوط الإنتاج الذي لا يتوقف خدمة لأسواق العالم المُتعطش لكل ما يحمل "ميد إن تشاينا".
في المشهد الأول؛ اثنان وعشرون صينياً يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، مسلحين بملفات وأضابير وقضايا، واثنان وعشرون عربياً لا يتحدث معظمهم الصينية ولا الإنجليزية، وبعضٌ منهم يتحدث العربية بركاكة واضحة.
المشهد الثاني، هم أنفسهم، أقصد الصينيين، كلٌ منهم يتأبط كمبيوتراً شخصياً يعني (لاب توب)، يستعينُ به في طرح المحاور والقضايا اعتماداً، على ما يبدو، على معلومات أُعدت مسبقاً وبشكل مُتقن. وأمامهم اثنان وعشرون عربياً يُمَثلون ذات العدد من الدول العربية، بعضُهم تأبطَ صحيفة، وآخرون قدَموا أجهزة (الايباد) المتطورة أمامهم، ثم مجموعةٌ ثالثة أتت (يا ربي كما خلقتني).
تحدث بعضٌ من الصينيين بجدية، غير مفهومة، للطرف الآخر، عن آفاق التعاون والتنمية، قالوا في الحوار الثقافي، والتقارب السياسي، والتعاون الاقتصادي.
في هذه الأثناء كان المندوبون العرب ثلاثة منهم يتحدثون جانبياً في ما يجري على الساحة المصرية، واثنان منهمكان في جدل بيزنطي حول الإسلام السياسي والدولة العربية الحديثة، مندوبٌ مشرقي في تلك الأثناء انشغل في البحث عن موقع ساخن على جهاز الايباد الخاص به، فيما مندوبٌ خليجي وآخر شمال افريقي لم يذق طعم الربيع وثالثٌ من أقاربنا، مندمجون في حوار ضاحك لم يُفهم منه أي تفاصيل. سُمع من أحدهم تكراره الواضح لكلمة (المؤامرة)، فيما انهمك آخر في حديث طويل عن الانتخابات مع ثالث ما يزال يأمل أن تعرف بلاده الطريق إليها.
المشهد الثالث، ساقت الأقدار ذلك البوفيه الغني بكل ما تشتهي الأنفس أن يكون (قدرياً) على جانب المندوبين العرب، وهكذا كان.. مجموعةٌ تقاطع الحوار الصيني (غير المفهوم) وتنطلق نحو (الكرواسون والكيك) وكل ما يخطر على بال بشر، وأُخری تتوالى على القهوة والنسكافيه، "شوهد ثلاثة في طرف القاعة منهمكين بالتدخين، عُرف منهم مندوب الأردن، رابعٌ يقرأ صحيفة محلية مُصدراً للحوار آذاناً صماء".
المشهد الرابع، تنتقل الصورة إلى ما تحت الطاولة وعلى طرفي الحوار، على الطرف الصيني، سيقان مُتزاحمة مُتراصّة وكأنها في صف العسكر، وتُذيلها أحذية لامعة، أقدام ثابتة وراسخة في مكانها.
على الطرف الآخر (بلاوي) تماماً مثل تلك البلاوي التي كانت على رأس الطاولة، أحدهم قام بثني ساقه تحت فخذه وكأنه في ديوانية العائلة، آخر يمرر أصابع يده باتقان بين أصابع قدميه.
ثالث مشرقي، يهز قدميه بعصبية واضحة تشي بتوتر خلقه الإحساس بالملل من هذا "الحوار الفارط"، سيقان تتقلب على سيقان، تتهيأ للمغادرة وكأنها لطلاب يَهمون بمغادرة الحصة الأخيرة على وقع الجرس.
أما أحلى العرب في ذلك الحوار، فهو ذلك الذي خلع حذاءه وجواربه ليريح قدميه من عناء الحوار.
اعرفتم الآن الفرق بيننا وبين الصين، لعل الإجابة تحتاج لحوار عربي عربي في أحد الفنادق الفارهة.
hani.albadri@alghad.jo
الغد