السياحة العلاجية .. قليل من التنظيم لا يضر
ياسر ابوهلاله
20-12-2012 04:29 AM
بالمجمل، قد يكون الأردن أفضل بلد عربي من حيث الإمكانات الطبية والرعاية الصحية العامة. وتشكل السياحة العلاجية رافدا أساسيا للاقتصاد الوطني، تتعدى قيمته المليار دولار سنويا. وهذا بحد ذاته قصة نجاح للشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ فكثير من الأطباء تخرجوا في جامعات أردنية حكومية، أو خدموا في مستشفيات الدولة، وأنفقت الدولة عليهم موارد طائلة، دراسة وتدريبا وأجهزة. وهذا لا يقلل من دور القطاع الخاص الذي دخل في منافسة شاقة ومضنية، تفوّق فيها عربيا وعالميا.
تفخر عندما تشاهد ذلك الإنجاز الكبير. لكن ذلك لا يجوز أن يخفي قصص فشل متوارية، يُغض النظر عنها حرصا على سمعة هذا القطاع. ومثل كثير من المهن، يحاول بعض الأطباء إعطاء حصانة لأنفسهم، فتتكرر الأخطاء، بدءا من الأخطاء الطبية القاتلة أو التسعير أو التنظيم. وحقيقة، فإن المساءلة والمحاسبة والنقد تسهم في خدمة هذا القطاع وتحسينه وتطويره، وتمييز سمينه وهم الأكثرية عن غثه وهم الأقلية.
هنا أناقش أبسط مسألة، وهي التنظيم. ومع أن المشاهدات الشخصية لا تصلح للحكم العلمي، إلا أنها تسهم في الوصول إلى دراسات علمية له، بدلا من الحكم الانطباعي.
ففي كثير من عيادات أطباء الاختصاص الراقية يحدث الآتي، على الرغم من دفع كشفية بالحد الأعلى: تتصل بالعيادة تطلب موعدا. تجيبك السكرتيرة بأنه لا توجد مواعيد، فترجوها أن تحدد لك موعدا تقريبيا في بداية عمل العيادة أو نهايته، فتنهرك وتطلب منك المجيء والانتظار. تصل العيادة، فتجد كُثُرا قد سبقوك. تطلب من السكرتيرة أن تحدد دورا حتى تستفيد من وقتك وتعود بدلا من صرف ساعات انتظار. لكنها ترفض بكل صلافة. وقد حصلت معي، فاخترت طبيبا آخر أقل زحاما.
أكثر من ذلك تتصل بالعيادة وتقول للسكرتيرة إنك تريد إرسال تقارير المختبر قبل أن تأتي. فتعطيك البريد الإلكتروني للطبيب. وتقول لها إنك تريد التأكد من وصول التقارير، فترد أن "كلمة السر" موجودة عند الطبيب. حسنا، "هل يمكن أن تتأكدي منه؟"، فترد: عنده مرضى. فتسأل: ومتى يمكن أن أتصل به؟ فتعطيك ساعة لا يجيب فيها أحد في العيادة.
هل يمكن لنقابة الأطباء أن تجري مسحا للعيادات وتنظيم الدور فيها، وأيضا عن استخدام البريد الإلكتروني، وعن تأهيل السكرتيرات اللواتي يفترض أن يُجدن استخدام الحاسوب، وأن يعرفن حدا أدنى من المهارات الطبية في ظل وجود تخصص "سكرتاريا طبية"؟ صحيح أن بعض المرضى لا يحترم الدور ويزعج الأطباء باتصالاته، ويريد أن يعرف كل شيء على الهاتف بدلا من دفع الكشفية، لكن ذلك لا يعني الغرق في الفوضى.
فوق ذلك، ما هو واجب الدولة تجاه السياحة العلاجية؟ في شارع ابن خلدون حيث يصل سعر متر العيادة ألف دينار، يقتصر دور الدولة على تأمين عدد كاف من شرطة السير لمخالفة السيارات. وقد وجدت في الشارع مرة واحدة أربعة مراقبي سير، في الوقت الذي يشكو مستثمرون من عدم إعطاء أمانة عمان رخص بناء مواقف.
يمكن لضريبة الدخل أن تعرف كم يدرّ شارع ابن خلدون على الخزينة، ويمكن للأمانة تحديد كم تجني من رسوم. مقابل ذلك، ألا يستحق شارع كهذا اهتماما خاصا؟ لماذا لا يرخص لمواقف سيارات ونقل عام داخل المنطقة تريح المرضى، وطبعا بمقابل وباستثمار، ولا أحد يتوقع هذه الأيام شيئا مجانيا، ولو بمردود عال؟
قليل من التنظيم أعتقد أنه سيخدم هذا القطاع، لأن المنافسة مفتوحة في العالم، ومن لا يجد هنا ترحيبا وتنظيما، سيجدهما في مكان آخر.